سحل حمادة أهم من تحرش مخزي ب 20 فتاة في التحرير فهمي هويدي



الحدث في الاعلام المصري هذه الايام هو قصة المواطن المصري الذي تم سحله بواسطة الشرطة بعد تعريته في فضيحة مدوية هزت المجتمع المصري وترددت اصداؤها قوية في انحاء الكرة الارضية. ولان الحدث كان جسيما ومشينا فقد صار محورا لسيل من التعليقات في جميع منابر التعبير من جانب الذين استفزهم واهانهم ما جري. وتنافس في ذلك المدونون الذين كتب احدهم قائلا ان شعار وزارة الداخلية الآن هو : اهلا وسحلا!

لا مفر من الاعتراف بان الداخلية صارت احدي الوزارات سيئة السمعة , منذ جري توظيفها لعدة عقود لكي تصبح السوط الذي يلهب ظهور المصريين , و المختبر الذي تمارس فيه اساليب قمعهم واذلالهم. باسم التاديب و التهذيب و الاصلاح.

ولا مفر من الاعتراف ايضا بان التخلص من ذلك الميراث من خلال تهذيب واصلاح الداخلية ذاتها بعد الثورة صار مهمة مستعصية الي حد كبير , لسبب اساسي هو ان دورها القمعي تحول من مهمة مؤقتة الي ثقافة مستقرة لا تقيم وزنا للقانون او كرامة المواطن , وتتعامل مع اهدار الاثنين باعتباره من بديهيات ومستلزمات الاداء الشرطي. ولان اجيالا عدة من رجال الشرطة التحقوا بالخدمة في ظل قانون الطوارئ الذي اطلق يدهم بغير ضابط ولا رابط , ومنهم من احيل الي التقاعد في ظل الطوارئ ايضا , فقد غدت مهمة تغيير ' عقيدتهم ' الشرطية امرا بالغ الصعوبة. واذا لاحظت انه خلال السنتين اللتين اعقبتا الثورة تم تغيير اربعة وزراء للداخلية و الحالي خامسهم , في حين انه خلال الثلاثين سنة التي امضاها الرئيس السابق تعاقب علي الوزارة سبعة وزراء فقط , فان ذلك يصور لك مدي حيرة الثورة في امر اصلاح وزارة الداخلية واستعصاء محاولة اقناع جهازها بان الدنيا تغيرت في مصر , وان القانون ينبغي ان يحترم كما ان كرامة المواطنين يجب ان تصان.

ادري ان ثمة اجواء خانقة وضاغطة بشدة علي رجال الشرطة , وان هناك انفلاتا وبلطجة متنامية في الشارع المصري , الا ان ذلك لا ينبغي باي حال ان يبرر للشرطي اهدار القانون واستباحة كرامة المواطنين. واذا عجز جهاز الشرطة علي حل هذه المعادلة , فان ذلك ينبغي ان يعد فشلا من جانبها , وفي هذه الحالة فانه ينبغي البحث عن حل آخر ابعد من تغيير وزير الداخلية.

الا اننا ينبغي ان نرصد امرا له دلالته في حادث تعرية المواطن وسحله امام قصر الاتحادية , ذلك انه خلال ساعة بعد بث الشريط علي التليفزيون قدم الناطق باسم وزارة الداخلية اعتذارا الي المجتمع عن الحادث. وهذا تصرف يحدث لاول مرة , لاننا لم نعهد ذلك السلوك من جانبها في كل التجارب السابقة. الا اننا فوجئنا بعد ذلك بكلام آخر علي لسان المواطن المجني عليه يبرئ الشرطة ويتهم المتظاهرين بالمسئولية عما جري له. وبدا ان ذلك كان بمثابة ' تلقين ' من جانب بعض عناصر الشرطة التي تنتمي الي مدرسة القمع القديمة ' غير اقواله لاحقا واعترف بمسئولية الشرطة ' .

من جانبي قرات المشهد باعتباره تجسيدا للصراع في الداخلية بين رجالها الذين ينتمون الي المدرستين القديمة و الجديدة. فالاولون يصرون علي الانكار , كما حدث في جريمتي قتل خالد سعيد وسيد بلال , و الآخرون يقاومون هذا السلوك ويستنكرونه علي النحو الذي تجلي في المسارعة الي الاعتذار عما جري. وهو تحليل اذا صح فانه ينبهنا الي حقيقة ان نفوذ مدرسة القمع لايزال قائما , وهو ما لمسناه في عمليات التعذيب التي يتعرض لها النشطاء مما ادي الي مقتل بعضهم في الآونة الاخيرة.

لا اعرف اي التيارين اقوي في الداخلية , ولا استبعد ان يكون للصراع نظيره في الاجهزة الامنية الاخري , لكن ما اعرفه ان التيار الاصلاحي يستحق التشجيع و الترحيب , الذي لم يكترث به كثيرون. افهم ان الاعتذار ليس كافيا , وسوف يكون اكثر جدية وحزما اذا ما ترتب عليه محاسبة المسئولين عما جري , لكنني لا اريد ان اقلل من شانه , واعتبره نقلة مهمة , زاعما في هذا الصدد اننا ينبغي الا يكون خيارنا بين الحد الاقصي او لا شيء علي الاطلاق.

الملاحظة الثانية التي قد تكون وثيقة الصلة باعتذار وزارة الداخلية هي ان بعض الجماعات السياسية و الابواق الاعلامية بدا ان حماسها اكبر للتوظيف السياسي للحدث , حين تلقفته وحولته من قضية لها وجه سلبي واشارة ايجابية الي قذيفة ملتهبة جري القاؤها في فناء الاتحادية وواقعة استخدمت للتشهير بالرئيس محمد مرسي وتلطيخ صورته. وبدلا من ان تشد من ازر وزير الداخلية وتدعوه الي مواصلة مهمته في اعادة هيكلة جهاز الشرطة من خلال اتخاذ المزيد من المبادرات الاصلاحية الشجاعة , فان اصوات المهيجين و المحرضين شغلت بتكثيف القصف ضد الرئيس وحكومته ووزير الداخلية. وقرانا لاحدهم امس ادعاءه بان المعتصمين في الميدان لن يغادروا قبل ان يسقط المعبد فوق راس الجميع.

ولان اصوات المعارضة التحريضية وظفت تعرية الرجل لفضح النظام وفعلت نفس الشيء مع حوادث التعذيب التي قيل انها افضت اخيرا الي موت ثلاثة من المتظاهرين , فانها تجاهلت حوادث التحرش المخزي التي تعرضت لها نحو عشرين فتاة وسيدة في ميدان التحرير اثناء مظاهرات ذكري الثورة. وكان السبب في ذلك ان الفضيحة الاخيرة لا تصلح للاستخدام ضمن القذائف الملتهبة التي يدعون الي القائها في فناء الاتحادية.

ليست هناك تعليقات :