انها لسيت ازمة هندسة اذاعية , بل بالاحري هي مشكلة هندسة سياسية , يمكن فهمها في اطار قلة التجربة وعدم وجود الخبرة الكافية , وهذا امر منطقي في بلد جفت ضروعه وتيبست اوصاله واصيب بالتصحر خلال اكثر من ثلاثين عاما امضاها بلا تغيير او تطوير او اتاحة مساحة ولو ضئيلة للسماح لبدائل بالوجود و النمو.
لقد خرج الجميع من كهف حالك الظلام الي الاضواء فجاة , فطبيعي ان ياخذوا وقتا كي يقووا علي الابصار اولا , ثم ينتقلون الي مرحلة الادراك و الفهم وممارسة حياة جديدة قلبا وقالبا , لا يستطيع احد ان يزعم انه كان يمتلك ادواتها ووسائلها , خصوصا ان احزاب ما قبل 25 يناير لم تكن تمارس السياسة بمفهومها الدقيق بقدر ما كانت تلعب ادوارا تكميلية وتجميلية داخل الحدود و المساحات التي سمح بها نظام مبارك.
وكما خيم الارتباك علي الارسال , فقد حدث الشيء ذاته مع التلقي , ذلك ان كل الاهتمام و التركيز انصبا علي شكل الحوار التلفزيوني للرئيس مع عمرو الليثي , فيما تم تجاهل المضمون وموضوع الحوار الذي جاء متاخرا جدا.
لقد امسك المعترضون و النقاد بتلابيب وتفاصيل وهوامش الحوار , هروبا من مواجهة موضوعه وما ورد فيه من اجابات تخص اللحظة الراهنة , وهو هروب ياتي متسقا ومتناغما مع حالة الهروب من الموضوع الي الشكل في كل القضايا و الاستحقاقات المطروحة علي اطراف المشهد السياسي -- وفي مقدمتها استحقاق الانتخابات النيابية , حيث يتم الاختباء منها باثارة قضايا اثيرت من قبل وقتلت بحثا ونقاشا وعراكا واشتباكا.
وفي ظل هذه الغابة الكثيفة من الكلام عن مقاطعة الانتخابات بحجة انه سوف يتم تزويرها لا محالة , وبذريعة عدم وجود ضمانات للنزاهة و العدالة , يدعو الرئيس الي حوار ونقاش وتفاوض للاتفاق علي الضمانات المطلوبة , و المعايير اللازمة لاجراء انتخابات سليمة -- وبدلا من التعاطي مع هذه الدعوة يتم استخدام تكتيك الهروب الي الامام بالاستغراق في نقد وتفنيد وتمحيص الطريقة و الاسرار و الكواليس التي صاحبت الحوار وجعلته يتاخر ست ساعات عن موعده التلفزيوني -- تماما كما يجري استدعاء موضوعات تصلح للعراك و الاشتباك من الارشيف , مثل قضية النائب العام و النفخ في موضوع الانفلات الامني و الشطط المجتمعي.
ومن اسف ان الجهد المبذول في تعقيد المشهد وافساد ارضية الملعب باغراقها بخراطيم الكلام لو بذل نصفه في استعداد جاد لخوض الصراع السياسي و المنافسة السياسية وفقا للقواعد و الآليات المعروفة في كل دول العالم , لما احتاجت اطراف في المعارضة ان تهدر طاقتها في اختراع حجج ومبررات للتهرب من مسئولياتها.
ومرة اخري افهم ان يقاتل البعض من اجل ضمانات وطلبا لرقابة محلية ودولية محترمة وصارمة للانتخابات , لكن غير المفهوم ان يلوح البعض باحراق الملعب واغراقه حتي يعفي نفسه من مسئولية المنافسة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق