امريكا كانت عدوا استراتيجيا للاخوان المسلمين , و الدعوات لمقاطعتها وطرد سفيرها و التشنيع علي النظام السابق آنذاك لموقفه السلبي كانت سمة الوقت , ومنذ عدة شهور , اختفت فجاة هذه العداوة التاريخية , فمنتجات الامريكان في اسواق قيادات جماعة الاخوان المسلمين , ورؤساء الامريكان السابقين وسفراؤهم يزورون مكتب الارشاد ويشيدون بالاخوان المسلمين ونظرتهم السياسية السمحة , ووفد من 150 رجل اعمال امريكي يزورون الرئيس ويلتقطون معه صورة تذكارية بينما يدعوهم للاستثمار في مصر -- بل وحتي جون ماكين , احد داعمي حرب العراق ومؤيديها و الذي كان يتباهي في حملته الانتخابية امام اوباما بانه لن يكون له موقف سلبي , كما لاوباما بخصوص الحرب علي العراق , استقبلته قيادات الجماعة وتباحثت معه عمق العلاقات المصرية الامريكية الاستراتيجية , مضيفا تساؤله : ' فماذا تغير؟ ' .
واضاف غنيم قائلا : ' منذ عدة اعوام , كان الرئيس مرسي يوصي المصريين جميعا بان يُرضعوا ابناءهم كراهية اليهود ابناء القردة و الخنازير , ويتهكم من زيارة اوباما الي مصر ويصفه ب ' الاوباما الكاذب ' , ويدعو لمقاطعة شاملة مع اسرائيل وسحب سفير مصر منها.
واليوم وبعد استلامه الرئاسة لم تتغير علاقتنا الدبلوماسية مع اسرائيل فسفيرهم في القاهرة وسفيرنا الجديد تم تعيينه بعد تولي الرئيس منصبه في تل ابيب , ورئيسنا سعيد جدا بتواصله مع الرئيس الامريكي اوباما ' الصديق ' وهناه بعد فوزه في الانتخابات , وليس ذلك فحسب بل اعتذر ايضا في كافة وسائل الاعلام الغربية عن تصريحاته عن اليهود ابناء القردة و الخنازير , عفوا لم يعتذر فقط بل ادّعي انها اقتطعت من سياقها ايضا! فماذا تغير؟ ' .
وواصل غنيم سرده للاحداث قائلا : ' حينما جاء محمد البرادعي الي مصر حاملا لواء التغيير ومناديا بتعديل الدستور , استقبله الاخوان المسلمون بالترحاب , خاصة بعد دفاعه عن حقهم في ممارسة العمل السياسي في مصر عبر مختلف وسائل الاعلام العالمية , و التقي به الكتاتني مع غيره لتدشين الجمعية الوطنية للتغيير , واعتبره عصام العريان قائدا للمرحلة الجديدة في فيديو مسجل له مشيدا ببطولته , بينما كان اعضاء الحزب الوطني يشوّهون البرادعي ليل نهار في وسائل الاعلام المقروءة و المسموعة و المرئية ويتهمونه بالعمالة للغرب , وبانه كان السبب في حرب العراق.
اليوم وبعد ان حمل البرادعي لواء معارضة الاخوان , اصبحت نفس الاتهامات التي كانت تُلقي عليه من الحزب الوطني تنتشر علي السنة قيادات الجماعة وشبابها , وتتهمه بان يداه ملوثة بالدماء في حرب العراق -- فماذا تغير؟ ' .
واستطرد غنيم : ' في الايام الاولي للثورة , كان الاخوان المسلمون سعداء بالمشهد الذي تجسد في ميدان التحرير , وابتعدوا عن كل الشعارات التي تفرق بين ابناء الميدان , فكانت كل الشعارات في حب مصر مطالبة بالحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية , بل وحتي كل تصريحاتهم الصحفية اثناء وبعد الثورة مباشرة كانت تروّج ان الجماعة لا تسعي للسلطة وان كل همها كان التخلص من النظام الجاثم علي صدور المصريين , وانها لن تنافس علي اكثر من 30 في المائة من عضوية مجلس الشعب , بل وانها لن يكون لها مرشحي رئاسي.
كانت الجماعة وقتها تعترف بفضل الشباب وبثورته وبالانجاز الذي حققوه في مفاجاة نظام عجوز , و الآن وبعد الثورة بعامين تبخرت اغلب هذه الوعود , بل وانتشرت بعض المقالات علي صفحات وسائل اعلام الاخوان المسلمين تنسب لها افضال استمرار الثورة ونجاحها , وتدعي ان ما فعلته قيادات الجماعة من سعي للسلطة لم يكن سوي حماية للثورة -- فماذا تغير؟ ' .
و أضاف غنيم : ' قبل الثورة كان للاخوان موقف واضح مضاد للتعذيب و السجن و الاعتقال القسري , السبب كان واضحا لانهم كانوا من ضحايا هذه الافعال التي تقوم بها وزارة داخلية حبيب العادلي , اما الآن فالتعليقات علي كل خبر فيه شهادة عن اعتقال بريء او تعذيب متهم تلاقي تبريرات لهذه الممارسات كما كان رجال وشباب الحزب الوطني يبررون لقياداتهم تعذيب واعتقال قيادات وشباب الجماعة , فماذا تغير؟ ' .
واشار غنيم الي انه بعد الدفع بمرشح الاخوان حنثا للوعد بدلا من دعم مرشح من مرشحي الثورة , وبعد فوز المرشح في المرحلة الاولي من الانتخابات , قرر الاخوان وقتها استبدال شعارهم من ' المرشح الاسلامي الوحيد ' _لان هذا الشعار عجز ان يجمع لهم اكثر من خمسة ملايين صوت في المرحلة الاولي , الي شعار قوتنا في وحدتنا و الذي ركز علي ان محمد مرسي هو مرشح الثورة الذي سيحقق آمال وطموحات الثورة التي شارك فيها الاسلامي و الليبرالي و اليساري و الشاب و الفقير و الغني وطالبوا وقتها بشعارات واضحة لم يكن منها فرض ايديولوجيات ولا بحث عن هويّة يزعمون انها ليست بالموجودة -- وبعد فوز المرشح باصوات هؤلاء انتهي شهر العسل وتحولوا بدلا من تحقيق مطالب واهداف هؤلاء الذين انجحوهم في سباق الانتخابات الي مطاردتهم وتخوينهم وتشويه سمعتهم واتهامهم بمعاداة الثورة -- فماذا تغير؟ ' .
وقال غنيم : ' اقنع الاخوان المسلمون الشعب المصري اثناء انتخابات الرئاسة ان لديهم تصورا كاملا لادارة الدولة عمل عليه اكثر من الف عالم مصري , وهو نتاج عمل طويل لسنوات -- واكدوا علي وجود اتفاقات مع العديد من الدول و الشركات العالمية للاستثمار في مصر بما يزيد علي 200 مليار جنيه -- كانت الدولة في الشهور الاولي في حالة من الاستقرار ' قبل الاعلان الدستوري ' تتيح التساؤل : لماذا لم نجد وعدا من هذه الوعود يتحقق؟ ماذا تغير؟ ' .
وروي غنيم قائلا : ' اسئلة كثيرة , البعض يمتلك التبريرات الجاهزة لها , خاصة تلك المعتمدة علي نظريات المؤامرات الكونية التي تعقدها كافة انظمة الغرب علي الجماعة , بالرغم من ان نفس تلك الانظمة هي التي تلتقي بالرئيس وقيادات الجماعة وتعقد مع الدولة الاتفاقات الاقتصادية ويؤكد المسئولون في بلادنا علي عمق العلاقة الاستراتيجية معهم ليل نهار -- او تلك المعتمدة علي المؤامرات الداخلية التي يقوم بها الفلول ' مع تحفظي علي التعبير الذي لا يستخدم الا في سياق تحقيق مكاسب سياسية ' , و التي لم تكشف الرئاسة لما لديها من سلطة تنفيذية ونائب عام عينه الرئيس اي خيوط لها سوي عدة تصريحات ما نلبث ان نكتشف انها بدون دليل ' .
واكد غنيم ان كل هذه التبريرات لن تنفع , لان الحقيقة هي ان محمد مرسي يفقد كل لحظة شخصا انتخبه وظن _خاطئا_ انه سيتغير ويكون وفيا لعهده هذه المرة , مضيفا : ' اعتبر ان الجماعة قد وعت الدرس للاخطاء التي وقع فيها النظام السابق من اخلاف للوعود وتغليب مصلحة الافراد علي مصلحة الوطن واحتكار السلطة وتشويه المخالفين و الاستهزاء بقلة عددهم وضعف تاثيرهم ' .
و اختتم غنيم قائلا : ' يقول وارن بافت احد اغني اغنياء العالم : ' بناء المصداقية يستغرق عشرات السنين , وفقدانها لا يحتاج لاكثر من خمس دقائق , تفكر جيدا ' .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق