' 1 '
قبل افتتاح مؤتمر القمة الاسلامية قام الرئيس احمدي نجاد بزيارة للازهر و شيخه , و بعد استقباله و مجاملته تعرض الرجل الي محاكمة غير لائقة علي الهواء .
حيث انهالت عليه الاسئلة و الاتهامات بعضها تعلق بموقف الشيعة من الصحابة و السيدة عائشة , و البعض الآخر ركز علي محاولات نشر المذهب في مجتمعات اهل السنة , وندد آخرون بمعاملة اهل السنة في ايران , ومنهم من فتح ملف عرب ' الاهواز ' وما يتردد عن اساءة معاملتهم -- الخ.
ربما كانت بعض تلك الاسئلة صحيحة وواجبة الطرح , لكنها وجهت الي الرجل غير المناسب وباسلوب غير مناسب , وفي المكان غير المناسب , ذلك انه لم يكن من حسن التقدير ان تلقي كلها في وجه الرجل , الذي لم يقل احد انه مرجع دين يتحدث في شان الصحابة وعملية التشييع .
واذا كانت هناك ملاحظات او تحفظات علي سياسة دولة الضيف فانها تقال في الاجتماعات و الحوارات بين الطرفين , ولا تبث هكذا علي الهواء.
وهو موقف لا يعبر عن مودة او عن رغبة في التواصل ومد الجسور.
وقد بدا ان اشهارها بتلك الطريقة ليس مقصودا به حل اي مشكلة وانما الهدف منه هو تسجيل المواقف واحراج الرجل و التعريض به وبدولته.
من جانبي استهجنت المشهد , وقلت ان الاسئلة التي طرحت لا تعبر فقط عن هواجس وقلق من جانب مؤسسة الازهر او حتي من جانب السلفيين.
ولكنها تعبر ايضا عن موقف سياسي ينطلق من التقاطع وليس التوافق.
وكان ذلك اوضح ما يكون فيما اثير حول عرب الاهواز ' اغلبهم من الشيعة ' , الذين اذا افترضنا ان لهم مشكلات مع حكومة طهران , فان ذلك لا يبرر تدخل الازهر في الموضوع.
لاحقا اكتشفت ان الامر كله كان في حدود الازهر , وان زيارة الرئيس احمدي نجاد لم تكن بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية التي فوجئت بما حدث واستنكرته. وكان ذلك هو الرد الذي سمعته حين تحريت الامر في دوائر الرئاسة.
' 2 '
في مطار القاهرة اوقف احد ضباط الجوازات سفيرا ايرانيا انتدب للعمل في اتحاد البرلمانات الاسلامية , وبعد ساعة وربع الساعة سمح له بالدخول للمشاركة مع رئيس الاتحاد الذي يحمل الجنسية التركية في اجتماعات القمة.
وكان تاخير دخول الدبلوماسي الايراني محملا برسالة سلبية. فهمت انها ليست الاولي من نوعها ولكنها تكررت مع آخرين ممن لم يمنحوا تاشيرات الدخول الي مصر اصلا.
قيل لي ان الضابط المختص في المطار تصرف بصورة روتينية حين احتجز الدبلوماسي الايراني لنحو 75 دقيقة. لكنني شممت في ذلك الموقف رائحة اخري , تتمثل في ان بعض الجهات الامنية لا تزال علي موقفها الذي التزمت به طيلة سنوات النظام القديم.
ايد هذا الظن عندي ان ذلك لا يزال موقف اعلام نظام مبارك المستمر الي الآن , الي جانب انه نفس الموقف السلبي الذي تتبناه بعض الجهات النافذة في الاجهزة المصرية المعنية.
ما اثار دهشتي انني حين نقلت ذلك الانطباع الي بعض من اعرف من اهل القرار فانهم ايدوني فيه بطريقة غير مباشرة , الا ان احدهم قال صراحة ان بصمات نظام مبارك و العناصر التي تربت علي قيمه وثقافته لا تزال لها تاثيرها , وانه من الصعب للغاية ازالة آثار مرحلة استمرت ثلاثين او اربعين سنة خلال سنتين.
هذه الخلفية تستدعي سؤالا كبيرا هو : الي اي مدي يختلف ذلك الموقف السلبي في منطلقاته عن السياسة الخارجية المصرية ازاء ايران بعد الثورة؟
لست صاحب السؤال , لكن سمعته من دبلوماسي ايراني مخضرم بعدما روي لي قصتين.
الاولي استعاد فيها مشهد زيارة وفد امني دبلوماسي زار طهران في عهد الرئيس السابق لبحث القضايا العالقة بين البلدين.
وكان البند الاهم في جدول الاعمال هو تسليم المصريين المعتقلين في ايران , الذين انتموا الي تنظيم القاعدة وهربوا من افغانستان بعد سقوط نظام طالبان.
وتضمنت القائمة المصرية اسماء 30 شخصا رفض الايرانيون تسليمهم لسببين ,
الاول انهم قالوا صراحة ان من شان تسليمهم ان تدخل ايران في معركة مع القاعدة تفتح الباب لصراع سنِّي شيعي ليسوا مستعدين للدخول فيه.
السبب الثاني انهم يشكون في ان مصر ستقوم باعدامهم , وهم لا يريدون ان يكونوا السبب في ذلك.
لم يتوصل الطرفان الي نتيجة في هذه النقطة. وانتهي الامر بان طلب الوفد الامني المصري تسليم اربعة اشخاص فقط , قالوا انهم ضالعون في محاولة اغتيال الرئيس السابق اثناء ذهابه لحضور مؤتمر القمة الافريقي في اديس ابابا , الا ان الطرف الايراني ممثلا في شخص محدثي راجع المختصين في طهران.
فقالوا له ان هؤلاء الاشخاص ليسوا موجودين في ايران. فما كان من الوفد المصري الا ان انهي مهمته وعاد الي القاهرة.
القصة الثانية حدثت بعد الثورة , حيث تلقت طهران رسالة رسمية من مصر تحدثت عن امكانية مناقشة موضوع العلاقات بين البلدين بعد مراجعة الموقف الايراني من ثلاثة امور :
الوضع القائم في العراق ,
ومساندة الحكومة السورية ,
وحسم مسالة امن الخليج ,
وفي تعليقه علي القصتين قال محدثي ان نظام مبارك كان معنيا بالملف الامني بالدرجة الاولي , الا ان الرسالة التي تلقتها طهران بعد الثورة دعت الي تعرية السياسة الايرانية قبل الحديث عن عودة العلاقات , الامر الذي فهم منه المسؤولون في طهران ان مصر وضعت شروطا تعجيزية لا تفسر الا بانها بمثابة اغلاق لملف اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
' 3 '
اثناء انعقاد القمة الاسلامية حدث امران مهمان في السياق الذي نتحدث عنه.
الاول تمثل في عقد قمة ثلاثية ضمت الي جانب الرئيس محمد مرسي الرئيسين التركي عبد الله جول و الايراني احمدي نجاد.
وفي هذا الاجتماع حدثت تفاهمات حول امور عدة , كان من بينهما مبادرة مصرية دعت الي اجتماع ثماني لبحث الملف السوري يشترك فيه الي جانب الدول الثلاث ممثلون عن الحكومة السورية و المعارضة الي جانب منطقة التعاون الاسلامي و الجامعة العربية و المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي ,
المبادرة جاءت تعبيرا عن تطوير الموقف المصري يمهد للتعاون المشترك , ولا يثير النقاط الاخري التي وردت في الرسالة التي سبق ارسالها الي طهران.
كما انها تعول علي الحل السياسي للازمة السورية بعد اعلان رئيس المجلس الوطني السوري السيد معاذ الخطيب استعداده للحوار مع النظام.
تحفظ الرئيس التركي علي فكرة الحواربين المعارضة ونظام دمشق , الا ان التفاقم المصري الايراني بدد الانطباعات السلبية السابقة واحدث ثغرة في افق العلاقات الذي بدا مسدودا.
الامر الثاني المهم ان السفيرة الامريكية في القاهرة السيدة آن باترسون اثناء لقاء رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل , لاول مرة منذ تعيينه في منصبه.
وحين التقته في مكتبه قالت له ان هناك معلومات تحدثت عن تعاون اقتصادي وشيك بين القاهرة وطهران , يشمل ايداع وديعة بعدة مليارات من الدولارات لحساب مصر في البنك المركزي , كما يشمل امداد مصر بما يعادل 5 ملايين طن من النفط شهريا , هذا بالاضافة علي معاملات تجارية اخري.
وقد عقبت علي ذلك قائلة ان ايران خاضعة لعقوبات دولية اقرها مجلس الامن. وهي تريد ان تنبه مصر الي انها اذا فتحت باب المعاملات الاقتصادية معها فان ذلك قد يخضعها بدورها لتلك العقوبات , الامر الذي من شانه ان يعرضها الي مزيد من الازمات الاقتصادية التي قد تحملها بما لا تطيق.
' 4 '
رسالة السفيرة الامريكية فضلا علي اهمية مضمونها , فانها تسلط الضوء علي الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في صياغة الموقف المصري ازاء ايران.
ذلك ان المتواتر لدي الدوائر وثيقة الصلة بالقرار السياسي. ان الادارة الامريكية رهنت موقفها الايجابي من النظام الجديد في مصر بتوافر ثلاثة شروط , هي :
عدم المساس بمعاهدة السلام مع اسرائيل
مقاطعة ايران
اتاحة هامش من الديمقراطية يحسن الصورة ويحفظ استقرار الاوضاع في مصر.
ولا يحتاج المرء لان يبذل اي جهد لكي يدرك ان النقطتين الاوليين تتفق فيهما المصالح الامريكية و الاسرائيلية , ولا لكي يلاحظ ان مطلب الاستقرار المنشود يقاس بمقدار تامينه لتلك المصالح.
اذ ليس سرا ان واشنطن يهمها ذلك الاستقرار حتي وان تم ذلك علي حساب موت السياسة.
كما يحدث في بعض الانظمة المحيطة بنا و التي تحظي بالرضا و المباركة الامريكية.
قبل اكثر من ربع قرن وصف الدكتور جمال حمدان مصر وايران وتركيا بانها مثلث القوة في المنطقة. الذي باكتمال اضلاعه تنهض وتستقر وتعاد صياغة موازين القوي في الشرق الاوسط.
وذلك هو الراي الشائع في اوساط الخبراء الاستراتيجيين ودارسي العلوم السياسية.
ولكن لان المثلث له هذه الخصوصية الفريدة فان الاطراف ذات المصلحة في الهيمنة علي المنطقة وتركيعها كانت ومازالت حريصة علي الا يتحقق ذلك التكامل بين الاضلاع الثلاثة.
وبات من المفارقات مثلا ان تغض مصر الطرف عن تناقضاتها مع اسرائيل وتطبع العلاقات معها في حين يحرم عليها ان تمد اي جسور مع ايران , بما في ذلك خط الطيران بين البلدين.
عند اهل النظر فان اقامة العلاقات بين مصر وايران تعد ضرورة استراتيجية , ومصلحة مشتركة للبلدين وللعالم العربي و الامة الاسلامية. ولا يعني ذلك تجاهل اي خلافات او اي ملفات عالقة بين البلدين.
ولكنه يعني تغليب المصالح العليا وادارة الخلافات بين الطرفين بما لا يهدر تلك المصالح ,
وعلاقات ايران وتركيا نموذجية في هذا الصدد.
فالبلدان خاضا حربا شرسة بين الصفويين و العثمانيين , واحدهما شيعي و الآخر سني ,
وبينهما تناقصات في العراق وسوريا
واحدهما مخاصم لاسرائيل ومعاد للولايات المتحدة و الثاني متصالح مع الاثنين.
ومع ذلك فالجسور لا تزال ممتدة بين البلدين و التبادل التجاري بينهما يتجاوز عشرة مليارات دولار سنويا.
وهما يسعيان جاهدين للتفاهم و التقارب وليس الخصام و التقاطع. حتي منطقة الخليج العربي التي لها اكثر من مشكلة حساسة مع ايران , نجدها تحتفظ بعلاقات دبلوماسية معها , علما بان حجم التبادل التجاري بينها وبين الامارات وحدها يقدر بحوالي 15 مليار دولار سنويا , و لدي السعودية سفيران ايرانيان وليس سفيرا واحدا , احدهما في الرياض لدي الدولة و الثاني في جدة لدي منظمة التعاون الاسلامي.
هكذا , فان تطبيع العلاقات مع ايران حلال علي الجميع , لكنه محرم علي مصر.
وذلك التحريم تفرضه الولايات المتحدة واسرائيل وبعض دول الاقليم في الخارج. وتقف في صفها القوي السلفية وبعض اصحاب المصلحة في الداخل.
خلاصة الكلام ان تطبيع العلاقات المصرية مع ايران ليس محكوما بالرغبة فقط , ولكنه محكوم بالقدرة ايضا , ويبدو ان تلك القدرة لم تتوافر بعد لمصر بعد الثورة , حتي الآن علي الاقل , و هو ما يدعوني الي القول بان يوم عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سيكون يوم اعلان تحرر القرار السياسي المصري من الضغوط التي تكبله . و يوم وصول خبر الثورة الي السياسة الخارجية المصرية .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق