أحمد ماهر يسخر من التظاهرات الحالية و يكتب عن أوهام الثورة الثانية لاسقاط حكم مرسي



' حافظ مش فاهم ' هذه العبارة كانت تطلق علي الطالب الذي كان يحفظ النص بدون فهم او ادراك المعني او جوهر المعني , وكان هذا يقال كسخرية من نظام التعليم المصري الفاشل الذي يقوم بالاساس علي التلقين و الحفظ وليس اعمال العقل و التفكير واكتشاف المواهب و الابداع. واصبحت هذه العبارة تقال سخرية ايضا في مجالات كثيرة حول من يريد تطبيق نفس التجربة علي افراد آخرين في ظرف مختلف.

وفي علوم الكيمياء و الفيزياء لا يمكن الحصول علي نفس نتيجة التجربة اذا كانت عناصر المعادلة و المتغيرات اختلفت , فبالتاكيد اذا تغيرت الكميات واعداد واوزان عناصر المعادلة وايضا تغيرت الظروف فبالتاكيد سيكون المنتج النهائي مختلفا.
وحتي في حياتنا اليومية , لا تتوقع ان تاخذ نفس الوقت الذي استهلكته من قبل عندما كنت تسير بسيارتك في طريق ممهد اذا كنت تسير الآن في طريق غير ممهد , واذا كنت تسير في طريقك بسيارة وفجاة وجدت امامك نهرا ولابد ان تعبر الي الجهة الاخري لتكمل طريقك , ولا توجد كباري او انفاق , وتوجد معدية تحمل افرادا وليس سيارات , فبالتاكيد ستنزل من سيارتك ' وسيلتك ' وستركب المعدية ' وسيلة اخري ' لكي تكمل طريقك وتصل الي هدفك.


وينطبق هذا ايضا علي السياسة , فاذا حدثت تجربة ما ادت الي نتائج معينة ايا كانت , فليس من المنطقي ان تتوقع نفس النتائج عندما تحاول استنساخ التجربة بعناصر اخري في جو وظروف اخري , فلا تتوقع ان تعيد ندوتك الناجحة التي فعلتها منذ فترة في ظل عدم توفر الحاضرين مثلا , فمؤتمرك او ندوتك نجحا ' مثلا ' بسبب وجود حضور كبير وتفاعل من الجمهور. لا تتوقع نجاح حزبك في هذه الانتخابات اذا كنت الآن تفتقد كفاءة المرشحين و التنظيم وعناصر النجاح التي كانت متوفرة سابقا.


لا تتوقع انك تستطيع ان تستنسخ ثورة بنفس الاسلوب بنفس الهتافات بنفس ال18يوما , اذا كان مر عامان علي الثورة وتغيرت العناصر وتغير اللاعبون وتغيرت موازين القوي بشكل كبير.

من يحاول الآن ان يستنسخ ثورة 25 يناير بنفس الاسلوب و ال18 يوما و الهتافات و الشعارات فهو يضيع الكثير من الوقت و المجهود , فاذا سالت من كان لهم دور في اطلاق شرارة ثورة 25 يناير وهم يمكن عدهم علي اصابع اليد الواحدة ليخبروك كيف انطلقت شرارة الثورة وكيف رحل مبارك بعد 18 يوما , فستعلم انه كانت هناك الكثير و الكثير من التفاصيل و الاحداث و المعادلات , بعضها استمر وبعضها تغير وهناك الكثير من المستجدات.


نعم نعلم جميعا ان نظام حكم الرئيس مرسي نظام فاشل ويمارس نفس سياسات مبارك الفاشلة في جميع المجالات , وعادت الاعتقالات و القمع وتشويه صورة المعارضين , نعم نظام مرسي هو امتداد لنظام مبارك ولا يوجد تغير في السياسات سواء الداخلية او الخارجية. 


ولكن استنساخ الثورة تفكير غير سليم __ فللثورة عناصر نجاح وتمهيد لسنوات , الثورة قد يمهد لها نشطاء ولكن يصنعها شعب , وسيناريو استنساخ الثورة وان لم نستطع فيتم افتعال اي احداث , حتي يحدث عنف يؤدي لفوضي ليتدخل الجيش ليطيح بمرسي __ هو سيناريو مخيف وكارثي علي مصر كلها في وجهة نظري.

فتغيب عن المعادلة عدة عناصر اهمها الشعب __ فالشعب هو من ينجح مساعي الثورة , وبدون الشعب لن تنجح مساعي القوي الثورية او دعاة الثورة , و الميدان الآن محشود بافتعال وليس محتشد تلقائيا كما كان في 2011 , نعم هناك غضب كبير في الشارع من سياسات الاخوان ورغبتهم في الاستحواذ علي السلطة , ولكن ثورة 25 يناير لم تكن ال 18 يوما فقط بل كان هناك مجهود ضخم وشاق استمر لاكثر من 8 سنوات , وكان هناك خصم واضح وكانت اطراف المعادلة اكثر وضوحا من الآن.

وسيناريو استنساخ ثورة جديدة بنفس جدول ال18 يوما ليس تفكيرا منطقيا , خصوصا ان هناك عناصر جديدة وهناك من يري ان العنف هو الحل , كما ان عودة الجيش للسلطة بدلا من الاخوان ليس هو الثورة ولا يمت باي صلة للثورة , فلنتذكر جميعا كيف قادنا المجلس العسكري في هذا المسار الفاشل ولنتذكر جميعا المحاكمات العسكرية للمدنيين.


نعم الثورة مستمرة ويجب استمرار الحالة الثورية و الحراك الثوري من اجل تغيير النظام ومن اجل التطهير ومن اجل بناء دولة جديدة , من اجل بناء مصر دولة مدنية متقدمة يتم فيها اعلاء قيم العدل و المساواة و الحرية و الكرامة , ولكن ايضا الثورة او الحالة الثورية هي وسيلة نحو التغيير للافضل , وليست الثورة في حد ذاتها هدفا.
والبعض الآن بسبب الاحباط وبسبب الياس من تغيير النظام بسبب غرور وعناد واستبداد الاخوان اصبح يتجه الي العنف , و البعض بسبب بطش وزارة الداخلية وقتلها للشباب اصبح يميل اكثر للعنف لانه لم يجد قصاصا او حسابا حتي الآن , ولكن العنف ليس حلا , فلن يولد العنف الا مزيدا من العنف.

والثورة نجحت وكانت مثالا يدرس في العالم كله بسبب سلميتها , فلو كان هناك عنف في ثورة 25 يناير ما كان الشعب و العالم كله تعاطف معها , تري ان السلمية ماتت وان دعاة السلمية خونة وانه لا بديل الا العنف ؟ ولكن __ ماذا بعد؟ كيف بالعنف تصنع ثورة جديدة وكيف يقف معك فيها الشعب وكيف تصنع بديلا وماذا تفعل مع العناصر الاجرامية التي تظهر لتستغل الحدث؟ هل هذه الثورة التي نرغب فيها من اجل وطن افضل وحكم رشيد.


اتفهم دوافع الموجة الثورية او السعي لتغيير النظام , واوافق علي كل الاسباب وانه يجب مواجهة الاستبداد الجديد ويجب وقف اعادة انتاج النظام القديم المتنكر ' بلحية ' , ولكن تكرار سيناريو كان له وقته وظروفه واطرافه في وقت جديد تغيرت الاطراف و الظروف ليست فكرة جيدة وستكون خسائرها اكبر خصوصا لو تم الافتعال.

ليست هناك تعليقات :