المهمة التي انجزتها الجمعية , و التي كانت سببا في حصول الدكتور الموصلي علي الجائزة , تتلخص في انها نجحت في تنفيذ مشروع لنشر الصناعات الصغيرة القائمة علي خامات النخيل , وقد تم اختيار قرية القايات , التي تعد واحدة من افقر عشر قري بمحافظة المنيا , لتكون المختبر الذي اقيمت فيه التجربة , التي تم تمويلها بمنحة قدمتها مؤسسة ' مصر الخير ' .
نجح الدكتور حامد الموصلي و الفريق العامل معه في تصميم وتصنيع معدات متبكرة بواسطتها تم تحويل جريد النخيل الي سدائب منتظمة القطع , وكذلك الواح منتظمة السمك و العرض , الامر الذي مكنهم من تصنيع الواح ' باركيه ' والواح ' كونتر ' تفي بمتطلبات المواصفات القياسية العالمية وتضاهي مثيلاتها المصنعة من الاخشاب المستوردة. ليس ذلك فحسب وانما نجح خبراء المشروع في استخدام مفروم الجريد في صناعة المصبعات كوقود حيوي قابل للتصدير , وهذه المصبعات يمكن استخدامها للتدفئة في المنازل بدلا من الفحم الحجري , كما يمكن استخدامها في تشغيل محطات القوي الكهربائية بدلا من الفحم و المازوت. وهذا المنتج يمكن في حالة تصديره ان يحقق عائدا مجزيا بملايين الدولارات.
من مفروم الجريد نجحت تجارب صناعة اعلاف الدواجن , ومن خوص النخيل نجحت تجارب تصنيع ' الكارينة ' التي تستخدم في التنجيد , الامر الذي يفتح آفاقا واسعة للنهوض بالريف المصري اعتمادا علي موارده المحلية. واذا علمنا ان في مصر نحو 12 مليون نخلة ' تركز في الصعيد و الواحات وشمال سيناء ' فلك ان تتصور العائد الذي يمكن ان يتحقق من استثمار هذه الثروة وتوظيفها في تنمية المجتمعات المحلية وانعاشها.
هذا الجهد يمثل سباحة ضد التيار السائد , الذي اعتادت رموزه ان تمد ابصارها الي الشاطئ الآخر وتتلهف علي الاستيراد من الخارج , دون النظر تحت الاقدام ومحاولة التفكير في الافادة من الخامات و الخبرات المحلية. ومن الواضح ان مدرسة استدعاء الخارج لاتزال تمثل مركز قوة مؤثر وغلاب في مصر. وحرص الحكومة علي حل الازمة الاقتصادية من خلال الاقتراض من المؤسسات الدولية شهادة تدل علي ان السلطة تضرب المثل في المضي في ذلك الاتجاه. وليس غريبا و الامر كذلك ان تواجه جهود الدكتور الموصلي ورفاقه الذين تصدوا للدعوة الي الانطلاق من التنمية الذاتية صعوبات جمة , من جانب الشرائح صاحبة المصلحة في الاستيراد من الخارج , فضلا عن الحرب الشرسة التي فرضت عليهم من جانب البيروقراطية المتربصة باي انجاز , التي شرعت اكثر من مرة في تعويق المشروع وتشويهه وصولا الي هدمه.
ما حققته جمعية التنمية الذاتية نموذج له نظائره المضيئة في الواقع المصري , التي تلمع في افق لا تكترث به سائل الاعلام , وللاسف فان الذين يقدمون تلك النماذج لا يلقون حقهم في التقدير من جانب الدولة ايضا ' لاحظ ان تقدير جهود الدكتور الموصلي جاءت من خارج مصر ' , ومازلت غير مصدق ما قيل من ان الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز الكلي بالمنصورة لم يمنح جائزة الدولة التقديرية بسبب موقفه السياسي , رغم النموذج الباهر الذي قدمه هو وزملاؤه في اقامة مركز طبي عالمي يعالج المواطنين بالمجان ويعتمد في تمويله علي مساندة المجتمع بالدرجة الاولي. وهناك مؤسسات طبية وتعليمية مماثلة , ومشروعات للتنمية الذاتية اقامها نفر من الوطنيين المخلصين الذين اختار بعضهم ان يظلوا جنودا مجهولين , ولكنهم جميعا يستحقون منا الحفاوة و التشجيع. الا اننا لم نستطع ان نوفيهم حقهم , بسبب البيروقراطية التي لا تسمع ولا تري , ولان اغلب سائل الاعلام عندنا دابت علي ان تحتفي بالذين يشعلون الحرائق باكثر من حفاوتها بالذين يحيون الآمال .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق