نحن جميعا فاشلون حين نعمل جماعة معتز بالله عبد الفتاح



اصبروا معي قليلا لو سمحتم لان عندنا مشكلة حقيقية في اننا لا نعرف كيف نعمل معا في المجال السياسي تحديدا وفي غيره كذلك. وبتامل هذه المسالة تتبين ثلاثة اسباب مجتمعة.

اولا , اسباب نفسية : العمل الجماعي يتطلب درجة من الثقة بالنفس و الاستعداد لتحمل المشاق وتوزيع الموارد بصورة مقبولة , ويكون مستحيلا بين الاشخاص الذين يعانون فقرا في الاحساس بالامان الذاتي و الرغبة الشديدة في الزعامة و السيطرة , واعتبار ان جلوسهم علي مواقع السلطة و السيطرة علي مفاتيح التنظيمات التي يشغلونها يشبع غريزة تحقيق الذات , وهي غريزة لا تقل في سطوتها عن غريزة الطعام و الشراب كما ذهب هارولد لاسويل ' Harold Lasswell ' , الذي رصد في مؤلفاته عشرات الامثلة لاشخاص كانوا بلا حيثية او مكانة اجتماعية فكان قرارهم بان يصلوا الي موقع الزعامة و السيطرة و الا فسيعملون علي تدمير التنظيم من داخله بمنطقنا الشعبي القائل : ' اما فيها او اخفيها ' .

ثانيا , اسباب ثقافية : نحن ابناء مخلصون لنظرية ابن خلدون عن ' العصبية ' كمصدر للقوة و الغلبة و التمكن اي انتماء الانسان لطائفة او فئة او اسرة او قبيلة يجعل له الحيثية و المكانة و القوة.

وهو نفس المفهوم الذي تبناه اميل دوركايم حين ناقش نوعين من التماسك بين البشر :

التماسك التلقائي او الفطري القائم علي علاقات غير اختيارية مثل تماسك وتضامن ابناء الاسرة او القبيلة الواحدة الذي يسيطر علي المجتمعات التي لم تشهد تطورا كبيرا ولا تشعبا وتعقيدا لمنظومة المكانات الاجتماعية و الوظائف و المهن و المؤسسات.

والتماسك العضوي او المؤسسي المبني علي المصلحة المشتركة وتقاسم الادوار ' العضوي ' , وهو تماسك يتطور بتطور المجتمعات وتعدد مؤسساتها ومختلف مكوناتها حيث يجتمع الافراد , لا حول الروابط الدموية او الجيرة فحسب , وانما حول الايديولوجيات ' احزاب , نقابات علي سبيل المثال ' , و الاختصاصات , و المهن , و القضايا المتعددة التي تتكاثر بفعل التطور اللانهائي للمجتمعات العصرية.

المشكلة في مصر ومنطقتنا العربية ان التماسك التلقائي يتراجع في حين ان التماسك العضوي او المؤسسي لم يحل محله . فهناك تراجع كبير في راس مالنا التلقائي القائم علي القيم التقليدية , حيث ينحسر احترام الكبير و العطف علي الصغير ومعرفة حق العالم علي المتعلم ' اي صور التماسك التلقائي ' , وفي نفس الوقت لا نشهد زيادة في راس مالنا المؤسسي , حيث يتراجع احترام القانون واخلاقيات المهنة واصول العمل المؤسسي ' سواء في الجامعة او النقابة او الحزب ' , فلا عدنا كما كنا في الماضي ولا صرنا الي ما ذهب اليه ابناء الحضارات الاخري.

ثالثا , اسباب سياسية وايديولوجية : فغياب الاطر المؤسسية لتحديد من يحصل علي ماذا , متي وكيف ولماذا , فينتهي الامر بمغالبة ميكيافيلية بلا ضوابط سابقة وانما اقتلاع شخص لآخر او شلة لاخري. وهذه واحدة من فضائل دولة القانون , سواء وجدت في نظم ديمقراطية او غير ديمقراطية , حيث توجد قواعد مؤسسية حاكمة للجميع تجعلنا مهما اختلفنا نعمل في اطار من القانون و البحث عن الحلول الوسط حتي لا تنفجر التنظيمات بما يعود بالسلب علي الجميع , فبدلا من تقاسم النجاح نتنافس في توزيع الفشل و القاء اللوم علي الآخرين.

وهي مسالة لا يولد الانسان بها وانما هي تكتسب كمهارات القراءة و الكتابة و الحساب , ولهذا حرصت المجتمعات الاكثر تقدما علي ان تدرب النشء فيها علي هذه القيم منذ دخولهم المدرسة , فيتعلم التلاميذ في المدارس كيف يتخذون قراراتهم بالتشاور وتحديد البدائل و السعي للجمع بين البدائل المتعارضة في بدائل مستحدثة تجمع اكثر من بديل في صورة حلول وسط , ثم التصويت واحترام قرار الاغلبية بل ومعاقبة من يخرج علي هذه التقاليد الديمقراطية.

ولهذا السبب قد لا تجد فروقا كبيرة بين طريقة ادارة الدكتور مرسي للدولة , ولو كان قد فاز في الانتخابات شخص آخر. ومع ذلك يظل السؤال : هل ممكن ان نخرج من دائرة ' الهتيفة و المعارضة و التخوين ' الي دائرة ' المفكرين و الدارسين و الباحثين ' عن حلول لمشاكلنا التي هي مشاكل كل مجتمعات العالم؟ ومن نجح في مواجهتها ليسوا ملائكة منزّلين من السماء او كائنات فضائية خيالية , هم بشر نجحوا في ان يتماسكوا علي هدف وتحكمهم قواعد مكتوبة ومعلنة وان ينكروا ذواتهم من اجل الصالح العام .

هل هذا ممكن ؟

ليست هناك تعليقات :