معتز بالله عبد الفتاح يبعث رسالة الى تونس



الاحبة في تونس -- تعازيّ لكم في وفاة المناضل شكري بلعيد. وارجو ان يكون واضحا انني في مقالي هذا اقف بلا اي تحيزات مسبقة لاي فصيل كان من الفصائل التونسية , واعلم ان اي كلام في الشان التونسي سواء من تونسيين او غيرهم لن يخلو من قبول ورفض حادين لانكم وقعتم , مثلنا , في فخ الغليان اللاحق علي الاحتقان اللاحق علي الاستقطاب اللاحق علي الانقسام. وكلها درجات متصاعدة في الشك المتبادل وفقدان الثقة وشيطنة الآخر. ورغما عن انكم اخترتم مسارا يسميه البعض عندنا ' الدستور اولا ' فانني كنت دائما اقول ان المحك ليس في المسار , المعضلة في السائرين.

اذن لو كان لي من تعليقات علي المشهد التونسي فانني اجملها فيما يلي :

اولا , المجلس التاسيسي الذي كان ينبغي ان يقوم بكتابة الدستور خلال سنة قد تاخر اكثر من اللازم وانشغل بامور كثيرة متعددة ومتنوعة بما فيها ادارة الشئون اليومية لتونس ومتابعة اداء الحكومة بما افقده التركيز في المهمة الاصلية وهي انجاز الدستور. اعلم ان من بين القيادات التونسية ' الباجي قائد السبسي مثلا ' من يرون ان المجلس صار جزءا من المشكلة ولن يكون جزءا من الحل وانهم يطالبون بحله لما فيه من تجاذبات وخلافات , لم تؤثر فقط علي قضية كتابة الدستور ولكن كذلك علي تفعيل دوره النيابي و الرقابي علي الحكومة -- ما الحل؟ اظن ان الحل المطروح الخاص بحل هذا المجلس التاسيسي سيعقد الامور اكثر لانه سيقضي علي اهم مؤسسة تحظي بمقومات الشرعية الآن. ولكن الافضل ان يحدد هذا المجلس لنفسه وبنفسه موعدا نهائيا للانتهاء من الدستور وللقانون الانتخابي , وبعدها يتم حله تلقائيا.

ثانيا , ان لم تكونوا قادرين الآن علي صياغة دستور توافقي , فليكن دستورا مرحليا لعدة سنوات. وهو ما طالبت به في حالة مصر منذ مارس 2012 بان يكون لمصر دستور مؤقت بعشر سنوات او اقل , وهناك من قبل الفكرة ' مثل السيد نائب رئيس الجمهورية السابق ' , وهناك من رفضها لاسباب مختلفة. ولذا فان دستور مصر الحالي عندي هو دستور مصر المرحلي الذي طالبت به الي ان تهدا النفوس ويستقر الرماد السياسي المنتشر في الاجواء. لكن المهم في اي دستور في هذه البيئة شديدة الاستقطاب التاكيد علي عدة امور : اولها ضمان استقلال المؤسسة القضائية وعدم تسييسها , ولولا تعنت الرئاسة في مصر لكنا شاهدنا نقطة تحول حقيقية في استقلالها عبر اختيار النائب العام لاول مرة في تاريخنا بعيدا عن تفضيلات الرئيس. وهذا ما انتم بحاجة اليه. و الاهم من كل ذلك وجود آلية ذاتية لمحاسبة اي فساد داخل المرفق القضائي.

ثانيا , وجود مفوضية عليا للانتخابات دائمة تحظي بالاستقلال المالي و الفني و الاداري عن مؤسسات الدولة ' وليس فقط مجرد لجنة اشراف موسمية ' , في الحالة المصرية كلها من القضاء , لضمان حياد عملية تنظيم واشراف الانتخابات و الاستفتاءات.

ثالثا , ضمان عدم تسييس الجيش , فينبغي ان يظل الجيش مهنيا محترفا والا يدخل اللعبة السياسية , بما في ذلك فكرة ان يكون وزير الدفاع شخصية عسكرية الي ان تنضج التجربة الديمقراطية , وان يكون مجلس الدفاع الوطني متوازنا بين العسكريين و المدنيين بما لا يجعل لاي من الطرفين القدرة علي توجيه الجيش الي اغراض سياسية او مغامرات عسكرية , مع عدم اغفال الرقابة المالية عليه بما يضمن عدم الفساد او اساءة استخدام السلطة.

بهذا الشكل يكون القضاء ومعه مفوضية الانتخابات هي الحكم في العملية الانتخابية ويكون الجيش هو الضامن بان ارادة الشعب المتمثلة في الانتخابات ستنفذ لانه يحمي الشرعية وليس هو مصدر الشرعية.

ثالثا , حزب النهضة في تونس , كما هو حال شقيقه ' الحرية و العدالة ' في مصر , يواجهان مازق الفشل في خلق التوافق الوطني ويعتمدان علي استراتيجية التعزيز السلبي الجماعي ' collective negative reinforcement ' لتحقيق تماسكه الذاتي بالاشارة الدائمة لوجود مؤامرات شيطانية وتحالفات معادية ورغبة الآخرين في تدمير منافسه. واذكر الاشقاء في تونس ان الاغلبية وان كانت في مقعد قيادة المركب المطاطي فان المعارضة معها مسمار تستطيع به اغراق المركب.

تونس امانة في اعناقكم , وننتظر منكم ان تصونوها لنا ولكم.

ليست هناك تعليقات :