وثمة فارق كبير بين احترام الهيئات وتوقيرها وبين رفعها الي منزلة التقديس التي تفضي بالانصار ليس فقط الي الغلو في من تقدسه وانما تعمي وتصم عن رؤية الحق اذا ما اتي عن غير طريق مقدسهم . وحديث ' حبك الشيء يُعمي ويُصم ' يصلح عنوانا معبرا عن هذه الحالة ولا شك . فما يعود للانصاف حال المحبة او الخصومة مكان.
اختلف المهاجرون و الانصار علي فريقين يوم علم ' عمر بن الخطاب ' ان الطاعون قد ضرب دمشق وهو اذ ذاك في طريقه الي الشام . فدعاهم ليستشيرهم . فقال بعضهم : قد خرجت لامر ولا نري ان ترجع عنه . وقال بعضهم : معك بقية الناس واصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا نري ان تقدمهم علي هذا الوباء . فكان آخر امره ان عزم علي الرجوع فلم يدخل دمشق -- وقتها عارضه ابوعبيدة بقوله : افرار من قدر الله؟ ورغم ما فيها من اتهام صريح الا ان احدا لم يراجع ابا عبيدة فيما قاله . وتقبلها منه عمر بقبول حسن . قائلا : نعم نفر من قدر الله الي قدر الله.
كان لابد ان يدفع عن نفسه تهمة الجبن . وان يبرهن علي قراره بالاسلوب العلمي المنطقي المقنع . ولاحظ ان ' عمر ' هنا يتحدث بوصفه قائدا سياسيا يصيب ويخطئ . فنزع عن نفسه كل احاديث النبي صلي الله عليه وسلم التي زكَّته ورفعت قدره علي من سواه . كمثل حديث : ' ان الله جعل الحق علي لسان عمر وقلبه ' او حديث : ' لو كان نبي من بعدي لكان عمر بن الخطاب ' او غيرهما . فلم يستخدم ايا من ذلك سلطانا لنهر من استجوبه -- . مثال نهمس به في اذن من يملا الدنيا ضجيجا عن مخاوف الدولة الدينية ونقول له لم يعرفها الاسلام يوما . واجدني مدفوعا ايضا ان اهمس به في اذن من يغالي في حب شخص ينتمي الي التيار الاسلامي ولا يقبل ان ينتقد محبوبه احد!
حينما نجلس مع المختلفين معنا في الرؤية و التوجه لننقذ وطنا من الغرق في بحور من الدم فاننا بذلك نسير علي هدي نبينا صلي الله عليه وسلم يوم قال : ' والله لو سالوني خُطة يعظمون فيها حرمات الله لاجبتهم ' -- كان يتحدث عن مشركي قريش الذين ناصبوه العداء واخرجوه واصحابه من ديارهم واموالهم . لو ارادوا مراعاة الحرمات فسيصل معهم الي اتفاق . فكيف لا اتفق مع مصريين مثلي علي وقف نزيف الدم و الوصول الي كلمة سواء ننقذ بها وطنا باكمله؟
الحوار الوطني في غاية الاهمية . لكن ضربا من العبث ان نبدا حوارا وطنيا يفاجا اطرافه بعد ذلك بتصريحات قيادات الاخوان ان نتائج الحوار غير ملزمة فيضج اكثر الناس حلما ولسان حاله ينطق او كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم؟ هل مازالت جماعة ' الاخوان المسلمين ' حتي اللحظة لا تُدرك خطورة لعبة تبادل الادوار بين قياداتها؟ هذه ليست مهارة ولا حنكة سياسية كما قد يسول الشيطان او تزين النفس الامارة بالسوء . انما هي مهارة لا يُحسد عليها صاحبها في حشد اكبر كم ممكن من الاعداء في خانة واحدة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق