نحن في مرحلة الصدمة التي تعقب الثورة معتز بالله عبد الفتاح



سالني صديقي محمد الميكانيكي : ' هو الناس خايفة من الاخوان ليه؟ ' .

قلت له : ' علشان هم يخوفوا ' .

سالني صديقي : ' يخوفوا ليه , ما هم مصريون مثلهم مثلنا ' .

قلت له : ' ما هي دي المشكلة. هم فيهم كل عيوب المصريين الاصلية ولكن يضاف اليهم عيوب الجماعات المغلقة وتخرج من بعضهم احيانا كلمات وتصرفات تثير التخوفات اكثر منهم. فضلا عن انهم راغبون في السلطة بصلاحياتها ولم يكونوا مستعدين للدولة باعبائها. المشهد مربك و الكل مرتبك وهم يزيدون الارتباك ارباكا و الناس لم تزل تتدرج في مراحل التعامل مع الصدمة ' .

' يعني ايه مراحل الصدمة دي؟ ' سالني صديقي.

' لما الانسان , لا قدر الله , يعرف خبرا صعبا وغير متوقع عن فقدان عزيز عليه يمر بعدة مراحل , الخواجات بيسموها : ' dabda ' بدءا من الانكار ' denial ' ثم الغضب ' anger ' ثم البحث عن مخرج ' bargaining ' ثم الاكتئاب ' depression ' ثم القبول او التكيف ' acceptance ' . وطبعا هذه المراحل ليست حتمية فيمكن ان يكون الغضب لاحقا علي الاكتئاب في بعض الحالات. ولو تخيلنا ان قطاعا من المصريين سواء ممن ايدوا الثورة او ممن رفضوها لم يتخيلوا قط ان مصر يمكن ان تُحكم من قبل المحافظين دينيا ' اخوان وسلفيين ' اما لانهم كانوا لا يعرفونهم او لانهم ظنوا فيهم غير ما انتهوا اليه. وقد ساعد في ذلك بوضوح بعض التصريحات و القرارات التي اتخذها هؤلاء فزادت من مخاوفهم مع اعلام متحفز ضدهم ومتصيد لهم , فتحول الامر الي خوف استثنائي.

من مظاهر هذا التخوف , ' الانكار ' حيث يبدو البعض غير مصدق حتي الآن ان السلفيين و الاخوان انتقلوا من السجون الي مواقع السلطة بهذه السرعة. وهذا يدل علي ضعف شديد في القياس النظري. حيث كانت الشواهد من ايام مبارك ان الاخوان هم رقم ' 2 ' في كل الانتخابات التي تجري . فحين يختفي رقم واحد , فقطعا ولفترة سيحل محله رقم ' 2 ' , الي ان ينجح الآخرون في مزاحمته علي السلطة. و الحقيقة ايضا ان هذا هو ما حذر منه صراحة عمر سليمان الشباب الذين التقي بهم حين قال لهم : ' انكم لن تصلوا للسلطة , انتم الاداة التي ستستخدمها القوي الظلامية للوصول للسلطة ' . وتعبير القوي الظلامية من عمر سليمان يعني القوي المحافظة دينيا التي تعتلي مواقع السلطة الآن.

ولكن الانكار لا يستمر طويلا لاسيما حين يفوز الطرف الذي سبب الصدمة بخمسة استحقاقات انتخابية واستفتائية , فيتحول رد الفعل من الانكار الي الغضب وهو ما يترتب عليه عنف لفظي ثم عنف مادي وبدني. وحين تصل الامور الي اعلي مستوي ممكن من العنف , ولا يجدي نفعا , يتحول البعض عن الغضب الي البحث عن بدائل لمواجهة الصدمة الحادثة -- وبما ان جبهة الانقاذ الوطني هي جبهة الانقاذ الوطني بكل راسمالها الاعلامي العالي وراسمالها الشعبي المنخفض , فيتحول الناس تباعا الي حالة من الاكتئاب و الذي يعالجه الناس بالعزوف عن السياسة وعن السياسيين ويبحثون بشدة عن اي وسيلة للخروج من هذا الاكتئاب عبر النكات و السخرية وهنا تكون وسائل التواصل الاجتماعي وبعض البرامج الكوميدية اداة عبقرية للخروج من الاكتئاب. ولكن مشكلة هذا البديل انه لا يحل المشكلة لان الطرف الآخر الذي سبب الصدمة لا يلتفت الي كل هذا. هو يسير وفقا لرؤيته في التواصل مع الشارع من اجل زيادة راسماله السياسي و الانتخابي.

ولو جاءت نتيجة الانتخابات القادمة متقاربة مع نتيجة انتخابات مجلس الشعب السابق , سيتعامل معها البعض علي انها امر واقع لا بد ان يتكيفوا معه ويقبلوه , وسيعود البعض الي حالة الانكار و الغضب ونبدا من اول وجديد ' .

' بس الناس مش هتستحمل ' قال صديقي الميكانيكي.

' هذا صحيح ولكن المفروض ان هناك عملية عكسية تحدث عند الاخوان و السلفيين , اراها اكثر عند حزبي النور و البناء , تجعلهم هم ايضا يتعاملون مع صدمة ان المعارضة قوية علي مستوي الحشد السياسي وانها ليست بضعة آلاف قليلة يمكن تجاهلها. وهذا هو الامل ان يعرف الجميع ان البلد بلد الجميع ولا مجال لافتراض ان احدا يمكن ان يلغي الطرف الآخر. قل يا رب ' .

' يا رب ' .

ليست هناك تعليقات :