وبادئ ذي بدء تبدو لنا عمليات الشرعية تصف حالة في طريق التراكم بالنسبة لها ومضمونها وعناصرها وآثارها , ترتبط بما يمكن ان يسمي بمسالك اكتسابها ومظاهر فقدانها و التحديات و السياسات التي تتجه ضمن مسارات تناقصها وتآكلها , الشرعية بهذا الاعتبار تزيد وتنقص . تزيد بالاعتبار الذي يجعل من تراكم الشرعية وتزايدها امرا يتعلق بقضايا كثيرة علي راسها الاداء السياسي الذي يرتبط بالرؤي الاستراتيجية وبناء السياسات , وحركة القرارات بما يؤدي اكتساب مزيد من الرضا من جميع فئات الشعب المرتبطة بعائد هذه السياسات وتكلفة هذه القرارات , وان هذا التآكل ياتي من اكثر من طريق حينما تكون السياسات ومسار القرارات في سياق لا يتكافا مع هذه التحديات ولا مع ما تستاهله من رؤي تعبر عن آمال هذه الفئات المختلفة و القدرة علي تخفيف الآلام التي تعاني منها خصوصا تلك التي اهملت كثيرا وشكلت الثورة بالنسبة لها طوق نجاة توقعت من خلاله ان يتبدل حالها بما يحدث النقلة النوعية الواجبة ضمن مسار تحسين وتحريك معاشها و الارتقاء و النهوض باحوالها.
_ _ _
الامر الثاني يتعلق بان الشرعية لا يجوز فيها الاقتصار علي قضية ابتدائية وافتتاحية بصدد عملية اكتساب الشرعية مثل ما يعبر عنه بشرعية ' الانتخاب الحر ' الذي يشكل في حقيقته اعلان مبادئ في تعاقد جديد علي مستوي الرئاسة , يعطي المسوغ لعمل هذه المؤسسة في اطار ينجز ما تبقي من بنود ذلك التعاقد , وهو ما يعني ان صندوق الانتخابات لا ينهض وحده لتاسيس شرعية ثابتة او دائمة , وان عملية الشرعية لا يمكن اختزالها في صندوق الانتخابات , ولكنها يجب ان تنطلق الي حالة من الفاعلية في الاداء و الانجازات , شرعية الاداء و الانجاز تشكل بدورها حالة اختبارية لمؤسسة الرئاسة في رؤاها المختلفة للتعامل مع التحديات و القضايا المهمة الحالة و الضرورية لتحقيق اهداف الثورة الكلية من ' العيش و الحرية الحقيقية و الكرامة الانسانية و العدالة الاجتماعية ' , ان هذا الشعار العبقري الذي رفعته ثورة 25 يناير لا يشكل في بنائه وبنياته الا مشروع برنامج لاستراتيجيات وسياسات يجب ان تنهض بها جهات التنفيذ وعلي راسها جهة القرار العليا التي تمثلها مؤسسة الرئاسة.
_ _ _
الامر الثالث يتعلق بالشرعية في تضميناتها المرتبطة بالحالة الثورية وتحقيق الاهداف و المطالب التي تكافئ هذه الحالة , علي طريق صياغة السياسات وبناء المؤسسات حينما تتحول حقيقة الشرعية الثورية الي منطق بناء يحرك كل طاقات المجتمع لبناء دولة الثورة وثورة الدولة , بناء مصر الجديدة بكل ما تعنيه الكلمة من معان.
_ _ _
الامر الرابع ان ما سبق لا يمكن القيام به بالفاعلية الواجبة الا من خلال ذراع تنفيذي تشكل الحكومة الرافعة الحقيقية لمثل هذه السياسات و الممارسات , وتشكل بذلك واحدا من اهم مسالك اكتساب الشرعية او تآكلها علي طريق النقص وربما الفقدان.
_ _ _
الامر الخامس يرتبط بقدرة منظومة القرارات علي تراكمها ان تشكل حالة من حالات الفاعلية السياسية من خلال قدرتها علي مواجهة التحديات ومدي ملاءمتها لحقيقة الضرورات و الاحتياجات التي تتعلق بمعاش الناس , فضلا عن امكانية ان تكون هذه القرارات مدخلا حقيقيا لنيل رضا الشعب من خلال توقيتها و المقدرة الفعالة علي تطبيقها , وتحقيق الهدف منها و المقصود من اصدارها , بحيث تشير الي حالة من الشفافية و المصارحة و المكاشفة بالتكلفة الحقيقية لهذه القرارات وما يمكنها من خلالها ان تصب كعائد حقيقي لتحقيق مصالح الناس و الارتقاء بمعاشهم.
_ _ _
الامر السادس يتعلق باطلاق كل الطاقات التي تتعلق بمؤسسات الرئاسة من جهة وجهات التنفيذ من جهة اخري لتنمية حالة الرضا من الجماهير حيال هذه السياسات في مناخ يتسم بحالة من التوافق و الاستقرار اللازم لادارة المرحلة الانتقالية بكل متطلباتها عن طريق الصياغة المتكاملة لعقد مجتمعي وسياسي جديد يمثل هذه الثورة ويمثل آمالها ويصنع المستقبل من خلالها , ويرسخ مفهوم رئاسة لكل المصريين.
_ _ _
الامر السابع يتعلق بالقدرة علي تنمية رصيد الثقة المجتمعي في هذه السياسات , ذلك ان رصيد الثقة المجتمعي في هذا المقام يشكل ارضية ملائمة لصياغة وتاسيس عمليات الشرعية واكتسابها , وان اي فقدان لهذه الثقة او تآكل في رصيدها المجتمعي او تزايد فجوة المصداقية وفائض العهود و الوعود , انما يؤثر تاثيرا مباشرا علي حالة الشرعية ذاتها وتآكل عناصرها ونقصان مفاعيلها وفاعليتها.
في اطار هذه السباعية المهمة الدالة علي حقيقة اكتساب الشرعية وزيادتها ومظاهر تآكلها ونقصانها يمكن الاشارة الي عدة مؤشرات تسير في مسار التآكل لا اكتساب مزيد من هذه الشرعية وتراكمها و التي تؤصل معني فاعلية الشرعية وشرعية الفاعلية :
اولا : فجوة المصداقية وتآكل رصيد الثقة في تقبل كل الامور الصادرة عن مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الحكومة التي تعبر عن سياسات غالبا ما تقترن بمسارات الفشل التي لا تحتملها المرحلة الانتقالية باعتبارها مرحلة استثنائية تتطلب رؤية استراتيجية للتاسيس لمرحلة انطلاق واقلاع حقيقية.
_ _ _
ثانيا : فشل الادارة الحكومية التي لا تمتلك في شخص رئيس وزرائها اية رؤية او استراتيجية للخروج من مآزق حقيقية , تصب في النهاية في حاجات الناس وتحقيق حاجاتهم المعيشية وضروراتهم الامنية , وبدلا من ان تمثل هذه الحكومة طاقة فاعلية مضافة للرئاسة , عبرت عن مسار فشل في التعامل مع قضايا الشعب الحقيقية وتحديات الوطن الاساسية.
_ _ _
ثالثا : ان الطريقة التي تدار فيها الامور بحالة من العشوائية و التردد و التراجع في عمليات القرار انما تشكل اهم مؤشر علي ان القرار لم يعد يستند الي الشرعية الواجبة التي تسهم في صناعة الرضا المتعلق بعموم الناس و الجماهير , وهو امر جعل القرار مع سياسات التعتيم و التعويم التي ترتبط به حالة تمثل تآكل شرعيته من حيث طريقة صناعته واتخاذه او من حيث تاثيره ومآلاته.
_ _ _
رابعا : ان النظر في حقيقة العائد السياسي الذي يترتب علي الاستثمار في اطار الحركة السياسية للتعامل مع بعض الاشكالات بالخطاب الواضح و العميق القادر علي التاثير في قناعات الناس ووعيهم بحقيقة الامور الا ان الممارسات الخطابية مثلت اهدار لامكانات حقيقية كان من الممكن استثمارها من دون اي تكلفة مادية , حتي هذا الجانب قصّرت الرئاسة قبل جهات التنفيذ في التعامل مع هذه المساحة واستثمارها في اكتساب رضا فئات كبيرة من الشعب ومن القوي السياسية و المجتمعية.
_ _ _
خامسا : ان ما آل اليه الامر من حالة مجتمعية يسودها المزيد من الاستقطاب و التصدعات التي حدثت في بناء المجتمع وحركة السياسة فيه وسقوط دماء وشهداء جدد , انما يشكل في حقيقته ازمة مفصلية في تماسك الجماعة الوطنية , وقوانينها التاسيسية.
كل ذلك هو ما قصدناه بتآكل حال الشرعية واستمراره ضمن مسار النقصان في قدراتها وعناصر الفاعلية المتعلقة بها , وهو امر ان كنا نعترف بوجوده و الذي يتطلب تفكيرا وفعلا اساسيا خارج الصندوق , يبذل الجهد الواجب و العمل اللازم لاستثمار العوائد السياسية المختلفة , الا انه في ذات الوقت لا يمكننا ان نقبل ذلك الاستخفاف و المراهقة السياسية التي تتحدث عن اسقاط وسقوط شرعية الرئيس , وتعتبرها كرخصة القيادة التي يمكن سحبها او ايقافها , ان هذا التفكير يعبر ضمن ما يعبر عن الاستهانة بمقام قيادة الوطن حتي تعتبره ' رخصة قيادة سيارة ' قابلة للسحب او الالغاء , ان شان الشرعية شان خطير يتطلب منا التفكير في هل تصلح هذه الفترة الزمنية للحديث عن انهيار الشرعية او سقوطها؟ ام ان الامر في حقيقته يسير ضمن تحذير مؤسسة الرئاسة ومؤسسات التنفيذ علي ان مسار السياسات و القرارات انما هو في الطريق علي تآكل الشرعية واهدار استثمارات مهمة علي طريق اكتسابها .
_ _ _
هنا فقط فاننا ننادي باعلي صوت : الا ايها الناطقون عن الشرعية وجب عليكم ان تكونوا عند مستوي المسئولية , وان اي عمل يتعلق باساليب يمكن ان تنشر حالات من العنف او الفوضي انما تصب في النهاية في خانات انتهاك الشرعية وانتهاك مقامها , نرجوكم لا تتحدثوا عن الشرعية بالاستهانة لان في ذلك اهانة لثورة عظيمة و شعب عظيم .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق