التراجع الحاد في قيمة الجنيه خلال الشهر الماضي , وانخفاض الاحتياطي من النقد الاجنبي لحد الخطر , وارتفاع مستويات التضخم و الاسعار , وخفض التصنيف الائتماني لمصر وما تبعه من تاثر البنوك المصرية وخطط تطوير البنوك -- ملفات شائكة لاقتصاد يواصل نزيفه المستمر منذ ثورة 25 يناير , يفتحها هشام رامز , محافظ البنك المركزي المصري , الذي يتولي مهام عمله رسميا غدا الاحد , في مهمة يصفها الخبراء ب ' الانتحارية ' في ظل التحديات الاقتصادية الاصعب امام ' صائغ السياسة النقدية ' لمصر , في توقيت شديد الحساسية تعصف به الاضطرابات و الصراعات السياسية التي تعد السبب الرئيسي لتدهور مؤشرات مصر المالية.
يظل اتمام حكومة الدكتور هشام قنديل , لقرض صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار , هو الامل الوحيد امام نهوض الاقتصاد المصري من عثرته , ومحور رئيسي لمساعدة ' رامز ' في مهمته في البنك المركزي , نظرا لاهمية شهادة الجدارة الاقتصادية التي تمنحها المؤسسة المالية الدولية , وتعيد الثقة في الاقتصاد المصري , و التي من شانها ان تعمل علي زيادة التدفقات النقدية بالعملات الاجنبية خاصة من قطاعي السياحة و الاستثمارات الاجنبية المباشرة وغير المباشرة * اذون وسندات الخزانة المصرية * وبالتالي رفع التصنيف الائتماني لمصر مرة اخري , الا ان الاضطرابات السياسية التي تزامنت مع احياء الذكي الثانية للثورة المصرية , و المستمرة حتي الآن , تؤجل المفاوضات الدائرة بين مسؤولي الحكومة المصرية , و المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي.
ورغم ان التخصص الدقيق لهشام رامز , محافظ البنك المركزي الجديد , في ادارة اسواق الصرف ورسم وتنفيذ السياسات النقدية , الا ان الاضطرابات السياسية تمثل عنصرا ضاغطا ومستمرا علي خطته لادارة ملفات الجنيه و الاحتياطي الاجنبي و التضخم وازمة خفض التصنيف الائتماني لمصر لعدة مرات متتالية من قبل المؤسسات الدولية , وايضا تطوير العمل في الجهاز المصرفي.
ويبرز التحدي الاول و الاصعب , ومحور اهتمام كافة المصريين , وهو التراجع المستمر في قيمة الجنيه , وللمرة الاولي في تاريخ العملة المصرية , وخلال شهر واحد فقط , ارتفع الدولار الامريكي بنحو 55 قرشا , امام الجنيه , خلال شهر يناير الماضي , مع الآلية الجديدة التي بداها البنك المركزي , بطرح عطاءات يومية من العملة الامريكية للبنوك , وتراجع الاحتياطي من النقد الاجنبي لمستوي حرج بلغ 15 مليار دولار بنهاية شهر ديسمبر.
وفي نهاية شهر ديسمبر الماضي , كان سعر الدولار يبلغ 620 قرشا , وارتفع تدريجيا خلال الشهر الماضي , ليبلغ سعر الدولار يوم الخميس الماضي , 31 يناير , 675 قرشا , لترتفع العملة الامريكية امام العملة المحلية بنحو 55 قرشا , متاثرة بالاضطرابات السياسية التي اعقبت ثورة 25 يناير , والقت بظلالها علي الوضع الاقتصادي وتدفقات النقد الاجنبي من قطاعي السياحة و الاستثمارات.
اما التحدي الثاني امام محافظ البنك المركزي الجديد , فيتمثل في تراجع الاحتياطي من العملات الاجنبية لمستوي حاد وحرج , ليصل الي 15 مليار دولار في نهاية شهر ديسمبر الماضي , وافصح البنك المركزي في الايام الاخيرة للدكتور فاروق العقدة , محافظ البنك المركزي السابق , عن ان عجز ميزان المدفوعات * تعاملات مصر مع العالم_ نتج عنه انخفاض الاحتياطي النقدي بنفس القيمة وهي 21 مليار دولار , وذلك بالانخفاض من 36 مليار دولار في يناير 2011 الي 15 مليار دولار في ديسمبر 2012.
وانخفاض الاحتياطي لدي ' المركزي ' , بمقدار 21 مليار دولار , نتج عن قيام البنك بتوفير النقد الاجنبي للحكومة لاستيراد المواد الغذائية و المواد البترولية وسداد الديون الخارجية المستحقة علي الحكومة وخروج المستثمرين الاجانب من الاذون و السندات التي استحقت علي الحكومة , وسعي البنك خلال العامين الماضيين الي المحافظة علي استقرار سوق الصرف تجنبا لزيادة معدل التضخم وبالتالي التاثير علي الحياة المعيشية لقطاع عريض من الشعب المصري خاصة محدودي الدخل , وخصوصا في ظل عدم استقرار الاوضاع السياسية و الامنية.
و يؤكد مسئول مصرفي رفيع المستوي حرص البنك المركزي علي الالتزام التام بسداد كافة المستحقات بالنقد الاجنبي علي الحكومة سواء كانت خارجية او داخلية حفاظا علي سمعة مصر الدولية , وايضا الاحتفاظ بمستوي آمن للاحتياطي بالنقد الاجنبي , حيث ان الانخفاض كان امرا حتميا لمقابلة الالتزامات المستحقة علي مصر , في ظل سداد مصر لنحو 700 مليون دولار لدول نادي باريس كاقساط ديون تسددها ' القاهرة ' , كل ستة اشهر.
ويعد ' رامز ' ابرز الخبراء الدوليين في قيادة اسواق الصرف , وادارة الاحتياطيات الاجنبية وساهم خلال توليه منصب نائب المحافظ في ادارة الاحتياطي الاجنبي لمصر بعد ثورة 25 يناير و الحفاظ علي سعر صرف الجنيه , وابرز خبراء الاقتصاد و السياسة النقدية علي المستوي الدولي ومن الشخصيات المصرفية المصرية , التي لها ثقل لدي المستثمرين الاجانب و المؤسسات المالية العالمية , مما يعزز فرص مصر في اقتناص فرص تمويلية ومشاريع ضخمة خلال الفترة القادمة.
وتاثرت المشروعات المصرية بكافة انواعها واحجامها بتداعيات ثورة 25 يناير , وتمثل ذلك في تراجع التمويلات الموجهة للقطاع الخاص , وهو ما يتطلب وضع استراتيجية يتبناها البنك المركزي تقضي بتوسع البنوك العاملة في السوق المحلية , في ضخ القروض و التسهيلات الائتمانية بعد توجه المصارف المحلية لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة عن طريق ادوات الدين المحلية * اذون وسندات الخزانة التي تقترض الدول بها من البنوك * وهو ما القي بظلاله علي نسبة السيولة في القطاع المصرفي المصري , وهو يمثل احد مفردات تطوير البنوك المصرية.
ازمة خفض التصنيف الائتماني لمصر , وما تبعها من خفض لتصنيف البنوك المصرية الكبري , من قبل وكالات التقييم الائتماني العالمية , احد التحديات التي تواجه ' رامز ' , في مهتمه الكبري في البنك المركزي , الا ان السبب الرئيسي لخفض التصنيف يرجع الي الاضطرابات السياسية المستمرة و الصراع السياسي بين الفصائل السياسية المصرية , وهو ما يؤثر سلبا علي مفاصل وشرايين الاقتصاد المصري -- ويؤكد محللون ان خفض التصنيف وتراجع مؤشرات الاقتصاد المصري سببه ' سياسي ' في المقام الاول وليس اقتصاديا , وان الاستقرار السياسي اساس تحسن اداء الاقتصاد المصري مرة اخري.
ويمثل تحدي استهداف هشام رامز , محافظ البنك المركزي الجديد , للتضخم * ارتفاع اسعار السلع و المنتجات * ابرز العناصر الملحة و العاجلة للاقتصاد المصري , في ظل توقف العديد من المشروعات و المصانع عن العمل منذ ثورة 25 يناير نتيجة الاضطرابات السياسية المستمرة حتي الآن , وما نتج عنه من تراجع حجم المعروض من كافة السلع واستيراد مصر 65 في المائة من احتياجاتها الغذائية من الخارج وبالتالي ارتفاع اسعار المنتجات -- وتؤكد احدث ارقام التضخم انها ارتفعت علي المستوي السنوي , الي مستوي 4.44 في المائة , في شهر ديسمبر , مقارنة ب4.20 في المائة , في شهر نوفمبر , وان التضخم الاساسي علي اساس شهري بلغ 0.44 في المائة , في شهر ديسمبر مقابل معدلا سالبا قدره 0.25 في المائة , في شهر نوفمبر.
و اكد محافظ البنك المركزي المصري ان ' المركزي ' , يتبع استراتيجية بطباعة اوراق النقد لاحلال وتجديد العملة التالفة بفئات النقد الورقية المصرية المختلفة , وفقا لمعدلات شهرية متفاوتة , عن طريق سحبها من البنوك العاملة في السوق المصرية واحلالها بفئات جديدة من مخازن البنك المركزي المصري بعد طباعتها في المطبعة المتخصصة في ذلك.
و أضاف ' رامز ' , ' المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد تضع معايير صارمة لمعدلات طبع النقد و البنكنوت ' , مؤكدا ان طباعة البنكنوت لن تجدي في حل ازمة الاقتصاد الحالية , موضحا ان الانتاج و العمل و التوافق السياسي اسس دفع النمو الاقتصادي وزيادة التدفقات النقدية بالعملات الاجنبية و التي بدورها تسهم في دعم الجنيه , وحل الازمة المؤقتة الحالية.
وشغل ' رامز ' عدة مناصب مصرفية رفيعة , آخرها العضو المنتدب للبنك التجاري الدولي , وهو اكبر البنوك الخاصة العاملة في مصر , وتولي منصب نائب محافظ البنك المركزي المصري لمدة 3 سنوات ونصف , خلال الفترة من 2008 الي نوفمبر 2011 , وتراس 3 بنوك اخري هي ' قناة السويس ' و ' المصري الخليجي ' و ' المصرف العربي الدولي ' , و10 سنوات من العمل في المؤسسات المصرفية العالمية , ويمتلك خبرات كبيرة في ادارة السياسة النقدية واسواق الصرف.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق