ورغم حرصها , الذي لا يقبل التشكيك , علي مجافاة السياسة و التفرغ كلية للعمل الاحترافي , خصوصا بعد تجربتها المريرة في ادارة شؤون البلاد طيلة الثمانية عشر شهرا , الممتدة من تنحي الرئيس السابق حتي اختيار الدكتور محمد مرسي اول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث نهاية يونيو/حزيران الماضي , استبدت بقيادة القوات المسلحة مخاوف من ان تفضي التداعيات الامنية و الاقتصادية الخطيرة لحالة الاستقطاب السياسي الحاد واجواء عدم التوافق بين الفرقاء السياسيين الي امكانية انجراف الدولة المصرية الي غياهب الفشل و الانهيار. وهو ما قد يضطر الجيش للتدخل , حسبما حذر وزير الدفاع ورئيس الاركان
فقد مهدت مواقف قوي الحكم و المعارضة عقب احياء الذكري الثانية لثورة يناير السبيل لاستدراج الجيش الي معترك السياسة , ان من خلال مطالبة بعض القوي السياسية المدنية لاشراكه في الحوارات الوطنية ضامنا , اوعبر موافقة الحكومة علي استدعاء الرئيس للجيش بعد خمسة اشهر فقط من اقالة المشير طنطاوي و الفريق سامي عنان , وتمرير مشروع قانون لتعديل بعض احكام القانون رقم 107 لسنة 2012 بهدف اشراك القوات المسلحة في حماية المنشآت الحيوية للدولة و الامن بمدن القناة ومنح رجالها مهام الضبطية القضائية وكل واجبات ماموري الضبط القضائي المقررة في قانون الاجراءات الجنائية.
'
خيم علي العلاقة بين الرئاسة و الجيش توتر لافت علي خلفية ترويج شائعات باقالات محتملة لكبار قادة القوات المسلحة وعلي راسهم قائدها العام الفريق اول عبد الفتاح السيسي
'
حرب الشائعات
خيم علي العلاقة بين الرئاسة و الجيش توتر لافت علي خلفية ترويج شائعات باقالات محتملة لكبار قادة القوات المسلحة وعلي راسهم قائدها العام الفريق اول عبد الفتاح السيسي. وهو الامر الذي رد عليه مصدر عسكري وصف بالمسؤول , بان القوات المسلحة لن تسمح باي حال وتحت اي ظرف بتكرار سيناريو المشير طنطاوي و الفريق سامي عنان , مؤكدا ان المساس بقيادة القوات المسلحة خلال الفترة الراهنة سيكون اشبه بحالة انتحار سياسي للنظام القائم برمته.
وقد تناغمت تلك التصريحات مع اخري لكبار المسؤولين العسكريين , حيث لوح الفريق اول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع و الانتاج الحربي في 29 يناير/كانون الثاني الماضي بامكانية تدخل الجيش اذا ما عجز الفرقاء السياسيون عن التوافق للحيلولة دون انهيار الدولة , كما اكد في لقائه مع القادة و الضباط بمقر نادي الجلاء يوم 14 فبراير/شباط الماضي , انه لن يسمح ابدا باخونة الجيش المصري وسيقطع اي ذراع تمتد لمحاولة النيل من هذا الجيش او اختراقه , وقال ان جيش مصر سيبقي فقط منحازا للشعب المصري , وان وقف علي مسافة واحدة من الجميع.
في السياق , جاءت تصريحات الفريق صدقي صبحي رئيس الاركان لفضائيات عربية , علي هامش فعاليات مؤتمر ومعرض الدفاع الدولي ايدكس 2013 بابو ظبي , و التي اضاف فيها ان القوات المسلحة عينها دائما علي الداخل , واذا احتاجها الشعب ستكون في الشارع باقل من الثانية.
الرئاسة من جانبها نفت من جانبها اية نية لتغيير قيادات القوات المسلحة مؤكدة تقديرها للفريق السيسي وتثمينها لموقفه اثناء نقل القيادة العامة للقوات المسلحة من المشير طنطاوي اليه , كما ردت قيادة الجيش في المقابل بالتبرؤ من اية بيانات تحذيرية من طرفها.
وبينما عزت الرئاسة اية شائعات بهذا الصدد الي جهات مغرضة في الداخل و الخارج تسعي الي ارباك الجيش المصري و الوقيعة بينه من جهة و الاخوان و الرئاسة من جهة اخري , الا ان تلك الشائعات قد اماطت اللثام عن وجود شيء من الحساسية بين الرئاسة و الجيش , بدت ملامحها جلية في ابداء قيادات ذلك الاخير استعدادها للتدخل في الشان الداخلي اذا ما استوجب الامر او ناشدها الجماهير , فضلا عن تاكيدها علي التزامها الحياد تارة و الانحياز للشعب وليس للشرعية تارة اخري.
المؤامرة
في حين تصر كل من الرئاسة وجماعة الاخوان علي ان مصدر الشائعات هو جهات خارجية وداخلية ترمي الي تقويض الثورة و النيل من استقرار البلاد وتماسك جيشها , يذهب خبراء الي الزعم بان شائعات من هذا النوع غالبا تكون وراؤها جهات سيادية كالمخابرات العامة او الحربية او مكتب الارشاد بجماعة الاخوان بغرض قياس ردود الفعل المختلفة و المتوقعة في حالة اقدام الرئيس علي اصدار قرارات من هذا القبيل بالفعل.
وفي تبرير ذلك الطرح , مضي تيار آخر مدعيا ان ما دفع بتلك الدوائر لاطلاق هكذا شائعات كبالونات اختبار لقياس مدي التقبل العام للاطاحة بالفريق السيسي , هي حزمة من الاسباب , لعل ابرزها : بلاء الجيش بلاء حسنا في ازمة عصيان مدن القناة ونجاحه في ترميم علاقته بسكان تلك المدن كما بجموع الشعب في الوقت الذي اتسعت الفجوة بينهم وبين الرئاسة و الاخوان و الشرطة , اضافة الي اصرار الجيش علي تقويض اية مخططات لحركة حماس في سيناء حول التوطين وغيرها واصراره علي هدم الانفاق الحدودية مع القطاع وتصفية العناصر المسلحة ذات الخلفيات الاسلامية في سيناء , فضلا عن ابداء الجيش رفضه لاي تقارب عسكري بين مصر وايران بعد تصريحات مستفزة للرئيس نجاد ابان مشاركته في القمة الاسلامية الاخيرة بالقاهرة , باستعداد بلاده للدفاع عن مصر.
وربما لا يكون مستبعدا وجود مؤامرة خارجية لتفتيت الجيش المصري وكسر شوكته , خصوصا انه الناجي الوحيد من مقصلة المؤامرات و الصراعات السياسية و الاضطرابات الاقتصادية و الامنية التي دهمت جيوش دول الربيع العربي. هذا علاوة علي مساعي الفريق السيسي الدؤوبة لاعادة تحديث القوات المسلحة تسليحا وتدريبا من خلال عقد صفقات سلاح متطورة واجراء مناورات عسكرية وتشديد الرقابة علي حدود البلاد , وهي المساعي التي قد لا تروق لدوائر اقليمية ودولية عديدة تتربص بمصر وامنها.
'
السيسي :
القوات المسلحة لديها معلومات مؤكدة عن مؤامرة تستهدفها , وسوف نتصدي لاي محاولة تستهدف تفتيت الجيش او الهائه عن اداء واجبه الوطني
'
وهو طرح يبدو ان وزير الدفاع المصري يتفق معه , حيث اكد في لقائه مع القادة و الضباط بمقر نادي الجلاء يوم 14 فبراير/شباط الماضي علي ان القوات المسلحة لديها معلومات مؤكدة عن مؤامرة تستهدفها , وانه سوف يتصدي لاي محاولة تستهدف تفتيت الجيش او الهاءه عن اداء واجبه الوطني.
وبناء عليه , لم يكن غريبا ان تنسب شائعات اقالة الفريق السيسي وقيادات القوات المسلحة الي مواقع الكترونية وهمية تناقلتها عنها وسائل اعلام روسية , وفقا لتاكيد مصادر في الرئاسة. كما لم يكن مفاجئا ان تكون صحيفة ' وورلد تريبيون ' الاميركية هي مصدر الادعاءات الخاصة بمطالبة الرئيس مرسي القوات المسلحة بالتدخل لقمع المتظاهرين المناهضين له , وكذا وجود خلافات عميقة بين الرئيس وقيادات الجيش.
تسييس الجيش
كان من ابرز التداعيات اللافتة للازمة المفتعلة بين الجيش و الرئاسة ان مواقف قوي المعارضة المدنية منها بدت كما لو كانت منحازة للقوات المسلحة في مواجهة الرئاسة و الاخوان , وكانها تريد توظيفها في الصراع السياسي الدائر باستدراج الجيش لمساندة القوي المدنية في مواجهة الاخوان و التيار الاسلامي.
فبعدما لم تتورع جبهة الانقاذ عن استحضار الجيش في المعادلة السياسية , سواء بذريعة ضمان تنفيذ مخرجات الحوار الوطني , او الاشراف علي العملية الانتخابية , وفيما بدا وكانه توافق حول تفسير تسريبات الجيش , اعتبرت قيادات جبهة الانقاذ و القوي المدنية ان تصريحات المصادر العسكرية تعد انذارا اخيرا لمؤسسة الرئاسة من احتكار السلطة او اخونة الجيش. والي ابعد من ذلك , ذهب متحدثون باسم تلك القوي المدنية , اذ اجترا بعضهم علي الزعم بان ازاحة قيادات الجيش للرئيس مرسي وتوليها السلطة ستقابل بتفهم من القوي المدنية التي تعد ذلك انقاذا للدولة من الانهيار وليس محاولة لفرض الحكم العسكري.
ويبدو ان تزامن ازمة الشائعات مع تنامي التوتر بين جماعة الاخوان وحزب النور السلفي قد اغري ذلك الاخير لتوظيف الشائعات في الازمة , حيث اعلن بسام الزرقا , مستشار الرئيس مرسي المستقيل احتجاجا علي اقالة زميله خالد علم الدين ان اقالة الفريق السيسي ستكون نهاية نظام الرئيس مرسي , لان القوات المسلحة لن تسمح باقالة وزير الدفاع او اية قيادة عسكرية اخري.
وعلاوة علي ما سبق , من شان فشل النخبة المدنية في ادارة البلاد في الوقت الذي تتعاظم ثقة الجماهير في الجيش , ان يزيد الطلب الشعبي علي عودة الجيش للسياسة. وفي هذا الاطار , لم يتورع نشطاء عن اطلاق حملات شعبية والكترونية لمطالبة الفريق عبد الفتاح السيسي بتولي رئاسة الجمهورية لفترة رئاسية واحدة بغية انقاذ البلاد في ظل الظروف العصيبة التي تعصف بها.
واعلن هؤلاء النشطاء ان استطلاعات الراي التي اجراها ائتلاف ' مصر فوق الجميع ' في محافظات شتي اظهرت ان 85 في المائة من المواطنين يريدون عودة الجيش للحياة السياسية , وهو ما استاءت منه جماعة الاخوان وعدته لعبا بالنار.
مخاطر
تكمن خطورة مساعي تسييس الجيش من قبل القوي المدنية المعارضة في مواضع ثلاثة , اولها , انها تجعل القوات المسلحة طرفا في الصراع السياسي بغرض الاستقواء بها في مواجهة الصعود المدوي لتيار الاسلام السياسي.
الامر الذي ينال من حيادها وتماسكها وحرفيتها , لا سيما بعد ان ضربت امثلة رائعة في المهنية و المسؤولية الوطنية منذ اندلاع ثورة يناير 2011 , كان ابرزها مساندتها للثورة , فضلا عن التصرف بمسؤولية اثناء عملية التغيير الناعم لقيادات الجيش باحالة المشير طنطاوي و الفريق سامي عنان الي التقاعد في اغسطس/آب الماضي.
ويتمثل الخطر الثاني في تفخيخ العلاقة بين القوات المسلحة وفصائل من الشعب كجماعة الاخوان او مؤسسة الرئاسة , علي النحو الذي ينذر بتآكل التفاهم المزمن بين الاخيرة و الجيش , و الذي كان مستندا ليس فقط علي اعتبارات دستورية وانما علي كون رئيس الدولة ينحدر من المؤسسة العسكرية طيلة ما يربو علي عقود ستة خلت.
واليوم وبعد فك الارتباط بين قيادة القوات المسلحة ورئاسة الدولة بتولي رئيس مدني منتخب قيادة البلاد للمرة الاولي , لم يتبق سوي الركائز الدستورية للعلاقة التفاهمية بين الرئيس و القائد العام للقوات المسلحة.
اول مخاطر مساعي المعارضة لتسييس الجيش انها تجعله طرفا في الصراع السياسي بغرض الاستقواء به في مواجهة الصعود المدوي لتيار الاسلام السياسي
ومن شان مثل هذه الشائعات و التوترات ان تفضي الي تلغيم تلك الركائز التي لم تتجذر بالعمق الكافي لترسيخ دعائم تلك العلاقة في دولة حديثة العهد بالحكم المدني الديمقراطي. وليس ادل علي اهتزاز الثقة بين الرئاسة وقيادة القوات المسلحة من تعثر التواصل و الحوار المباشرين بين الطرفين , حيث انطلقت حرب التصريحات و الشائعات الاستفزازية بينهما عبر اطراف مجهولة وغير محسوبة صراحة علي اي منهما , او هكذا بدت , وبنفس الاسلوب , جاء التراجع عن ذات التصريحات و الشائعات من دون ان يخرج مسؤولون رسميون من الجهتين يوضحون الحقيقة بغير التباس.
اما الخطر الثالث , فيتجلي في تسلل اجواء من الاحباط و التذمر الي صفوف القوات المسلحة , اذ اشار مصدر عسكري مسؤول الي وجود حالة من السخط بين القادة و الضباط في مختلف التشكيلات التعبوية جراء شائعات تغيير قيادات الجيش التي يتضامنون معها ويرفضون الاطاحة بها.
ولفت المصدر نفسه الي وجود عدد من الصفحات العسكرية علي مواقع التواصل الاجتماعي ' فيسبوك ' تدعو للاحتشاد و العصيان و الاضرابات داخل معسكرات الجيش ووحداته للمرة الاولي في تاريخ العسكرية المصرية حال تعرض رموز القوات المسلحة لاقالات , وحذر من ان غضب شباب الضباط لن يستطيع احد السيطرة عليه كما لن تكون عواقبه محمودة علي الاطلاق.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق