هناك فارق شاسع بين المزاج الذي كان عليه المحتشدون في الميادين , وبخاصة ميدان التحرير في الفترة بين 25 يناير و11 فبراير التي انتهت بسقوط الرئيس السابق , وبين ما تلاها من احتجاجات اتخذت طابع العنف البالغ ونزيف الدماء , سواء اثناء الفترة الانتقالية التي ادارها المجلس الاعلي للقوات المسلحة بقيادة طنطاوي وعنان , او اثناء فترة الرئيس المنتخب محمد مرسي.
المفارقة الغريبة ان المصريين كانوا مسالمين تؤذيهم مشاهد الدماء في العهود الديكتاتورية , وتقشعر الابدان من مجرد مرور جنازة ميت في حارة او شارع.
بعد الثورة زال تدريجيا الاحساس بفداحة ان يموت لك عزيز او قريب , وتحولنا الي قتل مجاني بدون سبب ولاتفه الاسباب. صارت الجنازات جماعية , يدرك السائرون فيها انهم قد يكونون اصحاب نعوش الجنازة التالية علي النحو الذي جري في بورسعيد عقب اعلان تحويل اوراق المتهمين بقتل شباب التراس الاهلي الي المفتي , ومع ذلك لا احد يخشي الموت , ولا يمنع اب او ام خروج الابناء للتظاهر و الاحتجاج العنيف وقذف المولوتوف و التعرض للقتل المقصود او العشوائي.
انها ليست بطولة , لكن الكثير من المصريين بات ينظر اليها كذلك , وهذا عرض غير صحي يعني اننا مقبلون علي احتراب اهلي , خصوصا اذا يئست الشرطة واصابها الاحباط مما تعرضت له جسديا ومعنويا فقررت التمرد و الانسحاب , هنا ستحل الفوضي بابشع صورها. سيعم القتل و السحل و الاغتصابات الجماعية للنساء. وما تم توثيقه عن اغتصاب 25 فتاة يومي 25 و26 يناير الماضيين في ميدان التحرير و الشوارع المحيطة به , رسالة صريحة بما ستكون عليه الفوضي العارمة التي تصاحب اي حرب اهلية.
المشهد السوري قريب وما زال مسلسله مستمرا , واغتصاب المئات من حرائر سوريا , سيتكرر لمصر * لا قدر الله * اذا سلمنا انفسنا لهذا الصراع السياسي الدائر و الذي تزداد حدته يوما بعد يوم , فالثورة المصرية يجري الآن هتك عرضها , وما بعد هتك العرض ليس الا ما حدث للنساء اللاتي مررن بتلك التجارب المريرة في دول الحروب الاهلية , وقد استمعت بنفسي الي حكايات العشرات من المغتصبات البوسنيات في التسعينيات في احد المعسكرات قرب سراييفو , ورايت بطون الكثيرات منهن منتفخات بالحمل!
علينا ان نتعلم ونحذر. ليست بطولة ان نسلم انفسنا وبناتنا ونساءنا لذلك المستقبل المظلم , وليست شجاعة ان ينتهي بنا الحال يوما الي لاجئين نستجدي الاعانات و البطاطين التي تقينا من البرد.
السياسيون لن يخسروا شيئا. عادة يتصارعون علي المناصب و النفوذ ويتمتعون بها او بما تجلبه المعارك عليهم من اضواء شهرة , اما الشعوب فهي التي تموت وتهتك اعراضها ويرمي بها علي قارعة الطرق.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق