بين قتل الغدر و سرعة التوظيف السياسي للدم لحسابات السياسة فهمي هويدي



اللعب في تونس اصبح علي المكشوف. طرف مجهول يقتل زعيما يساريا معارضا للاسلاميين ولحركة النهضة صاحبة الاغلبية في المجلس التاسيسي ,  علي الفور تسارع الابواق الاعلامية و القوي المعارضة الي اتهام الاسلاميين بقتل الرجل.

ويعبا الشارع وتخرج المظاهرات منددة بحركة النهضة ,  ويلجا البعض الي احراق بعض مقارها. ووسط الهيجان و التعبئة و التحريض يخرج وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالز بتصريح ينتقد فيه ما اسماه  ' فاشية اسلامية تبرز في كل مكان تقريبا '  ,  ثم يضيف انه  ' لايزال يعول علي الاستحقاق الانتخابي حتي تفوز به القوي الديمقراطية و العلمانية التي تحمل قيم ثورة الياسمين ' . وبعد ان يطلق الرجل تصريحه من باريس يستدعي رئيس الحكومة التونسية وكذلك وزير الخارجية السفير الفرنسي وابلاغه باحتجاج تونس علي تدخل الوزير الفرنسي في الشان الداخلي التونسي.



هذه الخلفية تستدعي عدة ملاحظات هي :



 _ ان القوي المعارضة سارعت الي اتهام حركة النهضة بعد ساعات قليلة من الحادث ,  وقبل ان تسفر التحريات و التحقيقات عن اية نتائج. كان الاتهام كان جاهزا و القتل كان مطلوبا.



 _  ان وزير الداخلية الفرنسي اقحم نفسه في الموضوع ونسب بدوره الجريمة الي ما اسماه بالفاشية الاسلامية ,  ثم قال صراحة ان بلاده تعول علي القوي الديمقراطية و العلمانية ,  التي ينتظر فوزها في الانتخابات. علما بان الخارجية الفرنسية اعلنت عن دعمها للرئيس السابق بن علي في بداية الثورة ,  ولم تكن تعنيها القوي الديمقراطية في ذلك الوقت.



 _  ان بعض الاصوات الديمقراطية و العلمانية التونسية طالبت فرنسا بالتدخل في تونس لانقاذها من  ' الفاشية '  المزعومة اسوة بتدخلها العسكري في مالي!



 _ ان الاعلام المصري سار وراء خطاب المعارضة التونسية ,  فقامت ابواق المعارضة عندنا بما يلزم لاتهام حركة النهضة بالمسئولية عن القتل. ووجدنا ان كاتبا كبيرا تبني ذلك الموقف ونقل في عموده اليومي بالاهرام امس نص عبارة زوجة الفقيد التي قالت فيها :  حركة النهضة وبالذات زعيمها راشد الغنوشي بشخصه هم الذين اغتالوا زوجي. اما صحيفة  ' المصري اليوم '  فقد ذكرت في عنوان ابرزته علي خمسة اعمدة بصفحتها الاولي ان وزير الداخلية الفرنسي انتقد الفاشية الاسلامية في مصر وتونس ,  علما بان الرجل لم يذكر البلدين ولم يشر الي مصر. صحيح ان تونس احتجت لان حادث القتل وقع فيها ,  فضلا عن ان الوزير اشار اليها ضمنا حين تحدث عن ثورة الياسمين ,  لكن اقحام مصر لم يكن له ما يبرره خصوصا ان فرنسا تخوض معركة اخري ضد المتطرفين المسلمين في مالي. بالتالي فان الزج باسم مصر كان يراد به استدعاء اسقاطات غير بريئة ومحاولة استثمار الحدث للتخويف و الترويع من النظام القائم فيها.



 _ في حين ان الموقف الفرنسي استبق وعمم الاتهام علي الاسلاميين وحاكمهم بتهمة الفاشية ,  فان صحيفة  ' الجارديان '  البريطانية كانت اكثر انصافا ورصانة ,  حين استبعدت اي مسئولية لحركة النهضة في الجريمة ,  وميزت بينها وبين غيرها من التيارات الاسلامية في تونس ,  وهذه النقطة الاخيرة يكتنفها بعض الالتباس ,  وتحتاج الي بعض الايضاح.



ذلك انه يؤخذ علي الحكومة التونسية انها فتحت الابواب واسعة للمشاركة في العمل العام واكتساب الشرعية لمختلف التيارات السياسية. وقد استفاد السلفيون من ذلك لانهم ظلوا محجوبين  هم وحركة النهضة  طيلة سنوات حكم بن علي. في حين كان للشيوعيين نشاطهم الشرعي ,  السلفيون انقسموا الي فريقين فريق تبني فكرة الدعوة وآخر انحاز الي العنف. و الاولون اتيح لهم ان يتحركوا في العديد من الساحات ,  اما الآخرون فقد رفضت الحكومة ممارساتهم ولاتزال تلاحق من ارتكب منهم اية افعال مخالفة للقانون. ووصل الامر الي حد الاشتباك معهم ,  حين حاولوا اقتحام السفارة الامريكية مثلا ,  مما ادي الي قتل خمسة من السلفيين ,  وحين حاولوا تهريب السلاح عبر الحدود وقع اشتباك مماثل قتل فيه اثنان منهم. وحتي الآن قتل من السلفيين 12 شخصا في مواجهات مع الشرطة في حين جرح عشرات.



في اتصال هاتفي مع السيد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة قال لي ان العلمانيين في تونس يريدون من النهضة ان تحظر نشاط السلفيين وتضعهم جميعا في السجون كما كان يفعل الرئيس السابق. لكن حكومة النهضة لا تحارب جماعات ولكنها تقف ضد كل من يخالف القانون من الافراد ايا كانوا. واضاف ان العلمانيين بذلك لا يريدون فقط قمع السلفيين ومصادرتهم ,  ولكنهم يريدون الايقاع بينهم وبين النهضة لاضعاف موقف الحركة في الانتخابات القادمة.



اننا امام مشهد يبعث علي الحزن ,  ليس فقط لان مناضلا تونسيا قتل غيلة وغدرا ,  ولكن لان مختلف الاطراف في تونس ومصر ارادت توظيف دم الرجل لتصفية حساباتها السياسية قبل ان يجف الدم وان يعرف القاتل.

ليست هناك تعليقات :