كان لي صديق يحفظ تاريخ الشام وبيوت دمشق القديمة بيتا بيتا وحجرا حجرا , كان ياخذني في كل زاوية ولا يكف عن الشرح و الكلام , كنت اشعر وانا اسير معه في الدروب القديمة اني اسير في دروب التاريخ , الآن كل شيء في سوريا يدمر حلب , اقدم مدن الدنيا , تدمَّر بيتا بيتا وشارعا شارعا وحيا حيا , النظام العلوي الحاكم في سوريا قام في عام 1982 بهدم حماة , احدي اقدم الممالك في العالم علي رؤوس اهلها , فمحا تاريخها وحضارتها القديمة , و الآن يدمر سوريا كلها بالطائرات وصواريخ سكود , هذه الصواريخ التي لم تطلق مصر منها علي اسرائيل في حرب اكتوبر الا ثلاثة صواريخ فقط , اطلق النظام البعثي العلوي في سوريا عشرات منها علي المدن السورية العتيقة , فمحا معالمها التاريخية وشوارعها وحتي حواريها , محا كل ما كان يميزها واصبح حجم الدمار الهائل في سوريا حتي الآن يقدر بعشرات المليارات من الدولارات , حتي ان الخبراء يقولون ان تكلفة اعادة الاعمال تزيد علي مائتي مليار دولار و الحرب لم تضع اوزارها بعد , ومهما كان الاعمار فلن يعيد المباني التاريخية او الشوارع القديمة او الحواري او رائحة التاريخ التي لم يعرف عبقها الا من مشي في هذه الشوارع وادرك معني التاريخ و الحضارة.
اما الجغرافيا , فكل شيء في سوريا يتغير الآن : المقاومة تنظف الشمال بلدة بلدة , و النظام يتراجع ويتقوقع -- ومع كل خلافات المعارضة تسعي في بداية مارس الي الاعلان عن تشكيل حكومة تقوم بادارة المناطق المحررة التي يتوقع ان تعلن في الشمال وتكون عاصمتها حلب , وهذا يعني ان سيناريو التقسيم يمكن ان يتم في ظل المخاوف الغربية من استمرار سوريا كيانا واحدا يقوده الاسلاميون كما يقولون . لذلك لا يقومون بامداد المقاومة باي اسلحة نوعية , خوفا من سقوط النظام وقيام نظام يهدد امن اسرائيل التي يعتبر الحفاظ عليها الهدف الاساسي لامريكا و الغرب -- اذن نحن امام معادلات جديدة تعني ان سوريا التي عرفناها بعد الحرب العالمية الثانية , اي بعد مرحلة التقسيم الثانية و التقطيع للعالم العربي , لن تكون سوريا المستقبل , سوريا المستقبل دمر العلويون البعثيون تاريخها , ويساعد الغرب الذي قام بعملية التقسيم من قبل علي عمل تقسيم جديد لها , يحاول ان يضمن من خلاله دويلات ضعيفة مهلهلة لا تهدد امن اسرائيل , وليس هناك ما يمنع من دعم الغرب لدويلة تحمي امن اسرائيل علي الحدود معها , علي ان تبقي دويلة الشمال في تناحر وخلاف.
وقد نقلت مصادر عديدة ان الدول الغربية تقوم بدعم الفصائل غير الاسلامية في المناطق الغربية و الجنوبية من سوريا و المتاخمة لحدود فلسطين حتي تقوي شوكتها وتضمن ولاءها حال سقوط النظام , غير انه في ظل السيولة القائمة في المشهد لن يستطيع احد ان يضمن شيئا , لكن الشيء المؤكد هو ان تاريخ سوريا وجغرافيتها يجري تدميرهما الآن بشكل منهجي منظم.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق