الكتالوج الذي نرفض قرائته و نريد اعادة اختراعه معتز بالله عبد الفتاح



كتالوج التقدم في العالم تم اختراعه وتم اختباره وتمت كتابته , لكننا لا نجيد القراءة , مصر داخلة في نفق من الغطرسة القائمة علي محدودية في الافق وثقة شديدة بالنفس .

ماذا نريد ان نكون ؟

لا توجد دولة حققت تنمية اقتصادية بدون ان تضع اطرا تجعل السياسة ' بمعني الصراع علي المناصب ' غير ذات تاثير مهول علي التنمية الاقتصادية , هناك دول فعلت ذلك عبر صيغة التسلطية السياسية و التنمية الاقتصادية وهي معظمها دول ال ' نيكس ' ' NICS ' اي الدول الصناعية الحديثة التي ظهرت في السبعينات و الثمانينات مثل هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان ثم لحقت بها في التسعينات الصين وتايلاند وماليزيا , ثم لحقت بهذه الدول مجموعة اخري نجحت في ان تزاوج بين الديمقراطية السياسية و التنمية الاقتصادية مثل الهند و البرازيل وتركيا وجنوب افريقيا وروسيا مع تفاوت واضح في مدي التزام هذه الدول بالديمقراطية.

طبعا النموذج الذي نتمناه هو الجمع بين الديمقراطية السياسية و التنمية الاقتصادية , ولكن هذا يتطلب مهارة شديدة من قِبل مَن هو في مركز القيادة. ديمقراطية المغالبة او الديمقراطية الاستبعادية التي يترتب عليها المزيد من التوتر السياسي تخلق بيئة طاردة للاستثمار , وبالتالي الديمقراطية الاستبعادية ليست ما يحلم به من يريد ان يحقق هذا النموذج للدولة الديمقراطية التنموية ' Democratic Developmental State ' , و الاصل ان رجل الدولة الناجح لا يفاضل بين البدائل ولكنه يسعي للجمع و التوفيق بينها.

الدكتور مرسي يتبع استراتيجية حافة الهاوية السياسية , ولا ياخذ في الاعتبار الابعاد الاقتصادية لقراراته , عدم الاستقرار السياسي لن يساعده او يساعدنا في تحييد الصراع السياسي , الديمقراطية ليست صندوق الانتخابات فقط , ولو صندوق الانتخابات سيترتب عليه المزيد من الانقسامات في المجتمع بما يؤدي الي مزيد من عدم الاستقرار , فالسياسة ستدمر الاقتصاد , فبنجلاديش ظلت دائما دولة تحدث فيها انتخابات منذ استقلالها ولكنها ظلت دولة غير مستقرة سياسيا حين بدات تتبني بدائل اخري للشراكة في السلطة ' power sharing ' تكون الانتخابات كاشفة عنها وليست صانعة لها. بس هل فيه في الحياة السياسية المصرية حد ممكن يفهم الكلام ده؟ مش عارف.

بعد حل الصراعات السياسية , يكون من الممكن تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية تقوم علي :

اولا : عدم تصدير موارد الدولة ' خام ' للخارج عبر اقامة صناعات وطنية قادرة علي الاستفادة من المواد الخام المحلية وتصديرها مصنعة للعالم الخارجي , بدلا من تصدير الخضراوات و الفواكه ' خام ' للخارج , ندعم الصناعات الغذائية علي النحو الذي يجعلنا نصدرها سلعا تامة الصنع ونستفيد في الداخل من عوائد التصنيع في صورة استثمارات اكثر.

ثانيا : دعم الصناعات و التصدير وتذليل العقبات البيروقراطية و الموافقات الشكلية علي انشاء اي مصانع او شركات جديدة. عدد الايام التي يحتاجها المستثمر ' الكبير او الصغير ' لاقامة مؤسسته يجب ان تكون مساوية او اقل من الدول المنافسة في المنطقة , ومن مهام الحكومة كذلك ان تضمن ' عدالة المنافسة ' بين منشآت وشركات القطاع الخاص.

ثالثا : الاستثمار في المجالات التي يعاني فيها المواطنون من التردي الشديد وعلي راسها التعليم و الصحة بما في ذلك توفير ميزانية خاصة لوزارة الصحة تراقب شهريا , وعمل نظام مستحدث لمراقبة اداء الاطباء وربط المرتبات بعدد المرضي مثلما فعلت تركيا وماليزيا.

رابعا : من حيث الانفاق , يكون التركيز علي التعليم ثم الصحة ثم البنية التحتية للمواصلات لان مع كل طريق جديد تكون هناك آلاف الفرص للاستثمار وبناء مجتمعات جديدة. وكان قطاع التشييد و البناء ولا يزال قطاعا رائدا في التشغيل باعتباره قطاعا كثيف العمالة.

خامسا : الاهتمام بالزراعة و المزارعين قضية ذات اولوية كبيرة. ولا يمكن ترك السلع الزراعية الاستراتيجية لاعتبارات العرض و الطلب المعتادة في اقتصادات السوق. من المهم ان تقوم الدولة باعادة توجيه وتحفيز المزارعين وفقا لخطة زراعية منسقة مركزيا لضمان ان يكون هناك تخطيط بدلا من العشوائية التي تدار بها القرارات الزراعية.

سادسا : الاستثمار الخاص و الحكومي في الطاقة من الاولويات.

كتالوج التقدم في العالم تم اختراعه و تم اختباره و تمت كتابته , لكننا لا نجيد القراءة , نجيد الغطرسة , و سيقضي السياسيون خفاف الوزن علي فرص التنمية الاقتصادية الواعدة في هذا البلد -- منكم لله .

ليست هناك تعليقات :