من حكم الاعدام الى كرسي رئاسة الحكومة أحمد منصور



لم يكن علي العريض , وزير الداخلية التونسي , الذي كلف بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة خلفا لرئيس الحكومة المستقيل حمادي الجبالي يتوقع وهو يرتدي بدلة الاعدام وينتظر تنفيذ الحكم فيه في اي لحظة بعدما حوكم في عام 1987 ان الرجل الذي حاكمه في ذلك العام زين العابدين بن علي سوف يهرب من تونس بعد خمسة وعشرين عاما من الفساد و الاستبداد , وانه سيكون من بعده وزيرا للداخلية ثم يكلف بتشكيل الحكومة , ولم يكن يدرك ولو للحظة ان الحكم لن ينفذ بل سوف يتم العفو عنه ويخرج من السجن ويتولي مسئولية الامانة العامة لحركة النهضة التي كانت تطارد من ' بورقيبة ' ومن بعده ' بن علي ' , ثم يلقي القبض عليه مرة اخري في شهر ديسمبر من عام 1990 ويحاكم مع قيادات حركة النهضة ويحكم عليه في عام 1992 بالسجن خمسة عشر عاما قضي منها عشر سنوات في حبس انفرادي وعزلة تامة لا يعلم شيئا عما يدور خارج زنزانته , هل كان ' العريض ' وهو في سجنه الانفرادي وعزلته طيلة عشر سنوات , وقبلها وهو في زنزانته يرتدي ' بدلة ' الاعدام الحمراء مهما اوتي من خيال وايمان يعتقد انه سيعيش اقصي درجات المحنة و الابتلاء في السجن ثم يخرج لا ليقضي باقي ايامه كسجين سياسي سابق وانما سيصبح وزيرا للداخلية يامر الضباط الذين سبق ان اعتقلوه وعذبوه فيمتثلون لاوامره وهو السجين السابق تحت ايديهم؟ وهل كان يعتقد انه سوف يحل محل ' بن علي ' ؟ وهل كان ' بن علي ' يدرك ان الرجل الذي حكم عليه بالاعدام ثم اصدر العفو عنه ثم اعتقله مرة اخري وجعله يعيش في عزلة داخل زنزانة عشر سنوات , ثم يعفو عنه سيصبح هو حاكم تونس من بعده بينما ' بن علي ' هارب ومختفٍ عن الانظار.

حينما التقيت الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس بعد تشكيل الحكومة التي راسها حمادي الجبالي , قال لي انه كان حريصا علي ان يتولي علي العريض وزارة الداخلية لانه كان اكثر رجال الحركة الذين تعرضوا للاهانة و الملاحقة من وزارة الداخلية , ولان وزارة الداخلية بها قبو كان يدخل منه الذين يقبض عليهم او الملاحقون , فقد انتشرت نكتة في تونس آنذاك تقول ان الوزير علي العريض تعوَّد طيلة اكثر من ربع قرن ان يدخل الوزارة من القبو , ومن المؤكد انه سيذهب الي مكتب الوزير من نفس المكان الذي تعود دخول الوزارة منه. علي العريض من مواليد عام 1955 كان و الده لطيف العريض احد اقطاب المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي , وتخرج العريض في كلية الهندسة البحرية التجارية في سوسة , حيث عمل في مجال النقل , وانتمي مبكرا لحركة النهضة , وترقي في المسئوليات حتي اصبح امينا عاما للحركة , واختير وزيرا للداخلية في حكومة حمادي الجبالي في 23 ديسمبر الماضي 2012 ثم رشحته حركة النهضة لتولي رئاسة الحكومة في 22 فبراير 2013 ثم كلفه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بتشكيل الحكومة , ' العريض ' ابتلي بالسجن وحكم عليه بالاعدام , لكن ابتلاء السلطة اكبر من ابتلاء السجن , وهو الآن ابتلي بالسلطة ولا ندري ماذا سيفعل فيها , لكنه بعد تكليفه قال في كلمة للشعب التونسي ' لقد كلفني رئيس الجمهورية رسميا بتشكيل حكومة جديدة -- سندخل في مشاورات لتشكيل حكومة جديدة ستكون لكل التونسيين ' , ووجه ' العريض ' الدعوة لجميع التوانسة من اجل دعم حكومته لتحقيق اهداف الثورة وبناء الديمقراطية في البلاد.

كثير من الاسلاميين صبروا علي السجون و المعتقلات وابتلاءاتها ونجحوا في اختباراتها لكنهم فشلوا في اختبارات الدنيا حينما فتحت عليهم او المناصب حينما تولوها , فالدنيا حلوة خضرة , و المناصب تفتن بسلطتها وجبروتها ويكفي ان يكون الانسان شخصا عاديا ثم يجد مقدرات دولة بين يديه , وفي يوم وليلة تصبح كلماته قانونا واوامره نافذة بمجرد ان يصدرها او يوقع عليها , ولا يعود يري الدنيا من موقع الناس بل من موقع كرسي الحكم الذي يجلس عليه , الكل ينتظر ماذا سيفعل الرجل الذي نجا من الاعدام ومحنة السجون الطويلة ماذا سيفعل في محنة السلطة وبلائها؟

ليست هناك تعليقات :