اللقطة التي تصيدتها الابواق العلمانية المخاصمة اشارت باصابع الاتهام الي حزب العدالة و التنمية قائلة بانه بعد ان تمكن من السلطة بدا يصفي خصومه بمثل هذه الاساليب الارهابية. بعد تحقيق طويل تبين ان ضابطا متقاعدا من غلاة العلمانيين هو الذي حرض القاتل علي ان يفعل فعلته , ودلت التحريات و الاعترافات علي ان ذلك الضابط علي علاقة بمنظمة ' ارجنكون ' السرية التي شكلت احدي ركائز الدولة العميقة في تركيا , ولم تتوقف عن تشويه واتهام الاتجاهات الاسلامية , بدعوي انها تهدد العلمانية و الجمهورية. وقد تم القبض علي الضابط المتقاعد وعلي الجاني , ولايزال الاثنان في السجن الي الآن , مع غيرهم من عناصر المنظمة الارهابية التي فضحتها حكومة حزب العدالة و التنمية , ولاتزال تلاحق اعضاءها وتكشف اوراقها ومخططاتها طوال السنوات الماضية.
حدث ذلك في ايران ايضا , اثناء ثورة الحوزة الدينية ضد الشاه ودعوة الامام الخميني الي اسقاطه. اذ تم احراق احدي دور السينما بروادها قبل عام من سقوط الشاه ' سنة 1978 ' , حيث اشتعلت النيران فجاة في ' سينما ركس ' بمدينة عبدان , وقتل في العملية اكثر من 370 شخصا. وقصد بالعملية التي تبين لاحقا ان جهاز استخبارات الشاه وراءها , توجيه اصابع الاتهام الي رجال الحوزة العلمية و الايحاء بانهم وراء الجريمة لانهم يعارضون الفنون ويعتبرون السينما من المنكرات غير المشروعة.
هذه الخلفية تداعت الي ذهني حين علمت بما جري في تونس خلال الايام القليلة الماضية , حيث تم قتل احد اشد المعارضين للاسلاميين , القيادي اليساري شكري بلعيد , وهي الجريمة التي هزت المجتمع التونسي , واستنفرت قطاعات واسعة من الغاضبين. الذين تظاهروا ضد حكومة حركة النهضة ذات الخلفية الاسلامية , وقد تراوحت الاتهامات الموجهة اليها بين تحميلها المسئولية عن قتل الرجل الذي كان خصما شرسا لها , وبين تهيئة الاجواء التي ادت الي وقوع الجريمة. لم تعرف نتائج التحقيقات الجارية في الجريمة بعد , لكن حملات قوي المعارضة استثمرت الجريمة في السعي للانقضاض علي حكومة حركة النهضة. الامر الذي يعني ان الهدف الذي سعي اليه قتلة شكري بلعيد يجري تحقيقه.
القصة ليست جديدة اذن , ولكنها في الحالة التونسية ساذجة ايضا. فبشاعة الجريمة لا جدال فيها , لكن توجيه الاتهام الي حركة وحكومة النهضة يبعث علي الدهشة و الارتياب , لان الحركة التي عرفت باعتدالها وبرفضها الدائم للعنف , مع حرصها الشديد علي التوافق الوطني لا يصدق اي عقل رشيد ان تكون لها اية علاقة بجريمة القتل ولا بتفجير الموقف الداخلي , حيث يفترض ان ينصب جهد حكومتها علي اشاعة الاستقرار و الانتقال بتونس الي عصر جديد. ولكن من الواضح ان بعض القوي السياسية المخاصمة انتهزت الفرصة لتصفية حساباتها القديمة ضد الحركة من خلال اثارة الاضطرابات واشاعة الفوضي و المطالبة باسقاط الحكومة.
هذه اللقطة الاخيرة لها شبيه بالحاصل في مصر هذه الايام , حيث يشيع بعض خصوم الاخوان ان ' جهازهم السري ' ' ! ' هو الذي يطلق الرصاص علي المتظاهرين ويلقي بقذائف المولوتوف علي قصر الاتحادية , لكي يبرر ذلك الاجراءات القمعية التي يمكن ان يلجا اليها الرئيس مرسي. وهو منطق ساذج بدوره , ويحاول اقناعنا بان حزب الاخوان هو الذي يسعي الي اشاعة الفوضي لافشال حكم الاخوان ' ! ' . لقد قيل ان الغضب ريح تهب فتطفئ نور العقل , ومن جانبي ايضا ان البغض و الكراهية يفعلان الشيء ذاته فيعميان البصر ويعطلان البصيرة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق