مؤامرات العنف لن تنجح في اغراق سفينة الوطن طارق الزمر



يجب ان يكون واضحا منذ البداية ان مصر التي نحبها جميعا ونعتز بالانتماء اليها تتعرض اليوم لاكبر الاخطار -- وان المعارك السياسية الدائرة اليوم علي ارضها ليس فيها غالب ولا مغلوب وانما فيها عار وشنار , وان الاثم سيلحق قطعا ويقينا بكل من استخدم العنف في السعي لتحقيق مكاسب فئوية او حزبية او طائفية او سياسية -- لانه سيبقي ما بقي له من عمره جنائيا وليس سياسيا , وذلك لان العمل السياسي و المعارضة السياسية في اي مكان في العالم تتحول الي جرائم اذا ما تجاوزت القانون المعمول به.

والسبب في نظري في تغليظ تلك الافعال بل تلك الجرائم سياسيا يرجع بالاساس الي ان مصر اليوم غير مصر الامس , فقد اصبحت لنا بعد ان سرقت منا علي مدي عقود طويلة , واننا قد استعدناها بشهداء لاتزال دماؤهم تعطر اجواء مصر وتزين ارضها وجدرانها -- كما ان كل من يلجا الي العنف بشكل مباشر او يستخدم البلطجية في العمل السياسي بعد ان فتحت امامه كل ابواب التعبير و التغيير السلمي انما يشارك في هدم هذا الوطن وليس بناءه , وهو ايضا يعلن صراحة عن خروجه عن مسيرة الشرف التي يساهم فيها كل من يعيش اليوم علي ارض مصر ساعيا في بناء مصر الجديدة.

تعجبت كثيرا اثناء حواراتي التليفزيونية مع بعض رموز المعارضة المصرية وانا اسمعهم يبررون الافعال العنيفة التي يشهدها الشارع المصري هذه الايام و التي اصبحت من مستلزمات المعارضة السياسية!! لكن عجبي بلغ مداه حين سمعت من يقول دون تردد ان قطع الطرق واغلاق الميادين وتعطيل القطارات و المتروهات واستعمال المولوتوف هو فعل ثوري , وانه مستمر حتي اسقاط النظام!!

كنت كلما ذكرت ان بعض رموز المعارضة يحرضون علي العنف سمعت من يقول هذا ادعاء ينقصه الدليل , وكان البعض يلقي بتبعة التخطيط للعنف علي طرف ثالث لا ينتمي للمعارضة او انه يعمل لحساب خطتها دون اتفاق -- لكني عندما سمعت باذني هذه الاقوال الخطيرة عدت الي مراجعة تصريحات رموز المعارضة علي مدي الشهور القليلة الماضية مراقبا مدي دلالتها علي الدعوة للعنف او تحبيذه او التسويق له , فوجدت ان الامر واضح وضوح الشمس , وان بعض رموز المعارضة يعتقدون ان الثورة المصرية ضد مبارك لم تنجح الا بالعنف!! وان هذا العنف يجب ان يستمر حتي يسقط الرئيس الجديد!!

لم اكن اتخيل ان بعض رموز المعارضة لم يدركوا حتي الآن الفارق الكبير بين الرئيس الذي كان يحكم بتزوير ارادة الناخبين و الرئيس الذي اخترناه نحن بكامل ارادتنا ووعينا في اول انتخابات رئاسية حقيقية علي طول تاريخ مصر!!

الحقيقة ان تبني العنف و التحريض عليه اذا كان نهجا للبعض , فقد راينا سلوكا لبعض الحركات الثورية يدعو للفخر ويبعث برسائل الامل وهو ما قامت به حركة 6 ابريل وبعض الاحزاب التي اعلنت عن انسحابها من امام قصر الاتحادية , احتجاجا علي العنف الذي صاحب المظاهرات التي كان من الواجب ان تظل سلمية.

انني هنا اجد نفسي ملزما بنصح اخواني المعارضين و المؤيدين علي السواء ومن كل اتجاه : بان يراعوا دائما في كل حركاتهم , بل تصوراتهم النظرية المطروحة هدفا واحدا , وهو العمل علي نجاح الثورة المصرية العظيمة لانها لا قدر الله اذا سقطت فانها ستسقط بمصر كلها , وستدمر ذلك الحلم الجميل الذي عشناه جميعا بعد الثورة مباشرة , وذلك ليس بالنسبة لهذا الجيل فقط , بل لكل الاجيال التالية -- ان الحقيقة التي يجب ان تكون محلا للاتفاق ولا تحتاج الي اي جهد للتدليل عليها هي ان العنف المتصاعد اليوم لن يكون ابدا سببا في استكمال الثورة , بل هو في الحقيقة اخطر الاسباب التي يمكن ان تؤدي الي فشلها لهذا نعلم تماما ان اعداء الثورة في الداخل وفي الخارج , انما يسعون الي توسيع دائرته التي تؤدي حتما الي نتيجتين :

الاولي -- تزايد حدة الاحتقان بين الاطراف السياسية , وهو ما يعرقل اي امكانية لحوار جاد يستوعب مشكلات المرحلة ويضع تصورا مشتركا لاستكمال الثورة -- بل هناك من يهدف الي تفكيك المجتمع و الدولة وذلك من جراء اتساع دائرة العنف.

الثانية -- تكفير المجتمع كله بالثورة التي اوصلتنا الي هذا الصراع و التي ادت الي تعطيل مصالح الناس -- وهو ما جعلنا نسمع من يقول : فينك يا مبارك!!

انني ادعو كل المخلصين في بلادنا الي مراقبة العقبات و المشكلات التي تزرع في وجه الثورة التونسية , وتلك التي نراها في شارعنا السياسي , وعندها سيجدون ان التشابه كبير بين الاوضاع في البلادين -- تعقلوا يا قوم واعلموا ان هناك طرفا واحدا يسعي لاجهاض الثورتين , وانه يستخدم بقايا النظم الساقطة في تدمير النظم التي يسعي الثوار في البلدين الي تاسيسها , وان زرع بذور العنف هو اهم العوامل التي تعمل علي اجهاض الثورات وتفكيك المجتمعات.

ورغم كل ذلك فلا يخالجني لحظة ان كل المؤامرات التي تحاك اليوم في الظلام للامساك بالتحولات السياسية او التاثير فيها عن طريق العنف لن يكتب لها النجاح , وليراجع من يريد ان يراجع تاريخ مصر كله وكيف انه لم يشهد يوما تلك التحولات الدارماتيكية التي شهدتها مجتمعات اخري -- وانه دائما لم يعرف غير التغيرات الطبيعية و السلمية و التلقائية التي تنساب علي ارضها كما تنساب مياه النيل بسهولة ويسر مع رفق وهدوء واضحين , وهو ما رايناه في ثورة 25 يناير برغم انها من اعظم الثورات في التاريخ !!

ليست هناك تعليقات :