كنت اتناقش مع بعض المتظاهرين في ميدان التحرير مساء امس الاول , وفوجئت بان لديهم يقينا انه اذا تمكن المتظاهرون من حصار مجلس الشوري ودخوله , بالتزامن مع دخول القصر الجمهوري في الاتحادية , فان ذلك يعني نهاية حكم الاخوان.
قلت لهؤلاء ان هذا تفكير طفولي , فانزعجوا واعتبروني ' لا اتمتع بالقدر الكافي من الروح الثورية ' , ثم قلت لهم : لنفترض ان المتظاهرين سيطروا علي ' الاتحادية ' وعلي مجلس الشوري , فان ذلك لن يغير من الامر شيئا , فهناك عشرات القصور الرئاسية في مصر , ومجلس الشوري يمكنه الانعقاد في اي مكان , ثم ان المتظاهرين حاصروا مجلس الوزراء لاسابيع متواصلة اثناء وجود د. كمال الجنزوري , لكن الاخير مارس عمله من مدينة نصر , ولم تسقط الوزارة بالحصار.
كل القوي السياسية تتحدث عن سلمية الثورة حتي لو كانت لا تؤمن بذلك عمليا ولذلك يصعب تماما تاييد اي حزب او جماعة لمهاجمة القصر الجمهوري او غيره بالمولوتوف.
وعندما بثت الفضائيات مشاهد الحرائق داخل القصر فان المتظاهرين خسروا الكثير من تاييد البسطاء , وعندما انتشر خبر اشتعال النيران في مسجد عمر بن عبدالعزيز القريب من القصر كانوا قد خسروا اكثر.
بعد هذه الحرائق في القصر كانت المعادلة كالتالي : الاخوان ومؤسسة الرئاسة سيقولون : انظروا الي هؤلاء المخربين الذين يريدون حرق القصر الجمهوري ومن قبله مؤسسات اخري , نحن ضحايا ورئيسنا منتخب شعبيا , ويريدون اسقاطه بالعنف!.
في المقابل لا يوجد شخص يمكنه ان يدافع عما حدث من هجوم علي الاتحادية , كما لا يمكن لشخص ان يدافع عن قطع حركة القطارات او مترو الانفاق او الطرق او مهاجمة اي منشاة سواء كانت حزبا او فندقا او وزارة الداخلية واقسامها.
طالما ان الجيش و الشرطة ملتزمان بالحياد فان استخدام المتظاهرين للعنف وسيلة للتغيير لن تنجح لان ميزان القوة غير متكافئ.
ومثلما استفاد المجلس الاعلي للقوات المسلحة كثيرا من لجوء بعض المتظاهرين للعنف , فان جماعة الاخوان ومؤسسة الرئاسة تستفيد اكثر مما يحدث حاليا.
ومثلما نجح المتظاهرون في اسقاط حسني مبارك بالاحتجاجات السلمية فقط , فان اي فرص للتغيير لن تتم الا بالوسائل السلمية ليس فقط لانها قانونية ولكن لانها اخلاقية ايضا.
يقول الاخوان ان المعارضة توفر غطاء سياسيا للمهاجمين , وهذا كلام تنقصه الدقة , لان جبهة الانقاذ ومعظم قوي المعارضة ادانت مهاجمة الاتحادية , وهذا تطور مهم لانه ينزع الشرعية و الغطاء السياسي عن اي اساليب غير سلمية.
لو تكلمنا بلغة مباريات الكرة فان هجوم بعض المتظاهرين علي قصر الاتحادية جعل جماعة الاخوان ومؤسسة الرئاسة تسجل هدفا في مرمي المتظاهرين امام الاتحادية , لكن في اللحظة التي بثت فيها الفضائيات مشهد رجال الشرطة وهم يسحلون مواطنا عاريا فقد انتهت المباراة بهزيمة مدوية للرئاسة و الداخلية معا.
نحن نعيش في زمن الصورة التليفزيونية حتي لو كانت مبتورة ولذلك فان تعاطف البسطاء مع الشرطة ضد قاذفي المولوتوف تحول بسرعة الي نقمة شديدة علي الامن ووزارة الداخلية ومؤسسة الرئاسة , وتذكر الجميع خطاب مبارك المؤثر في الناس وبعده بساعات قليلة جاءت موقعة الجمل لتطيح به وبنظامه.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق