ابتعدوا عن القوات المسلحة فهمي هويدي



انتقلنا من مرحلة استنفار الجيش وتحريضه الي مرحلة الجهر باستدعائه. وبعدما ظلت الهتافات تردد في الفضاء المصري هتاف ' يسقط __ يسقط حكم العسكر ' , وجدنا اصواتا متزايدة ترفع الآن شعار ' العسكر هم الحل ' . وفي حين كانت تلك الاصوات تصدر عن بعض الهواة المحدثين في عالم السياسة و الصحافة. فاننا فوجئنا اخيرا ببعض السياسيين المحترمين يدخلون علي الخط , الامر الذي يدعونا الي اخذ الكلام علي محمل الجد , لانني ازعم ان هذا موضوع لا يحتمل الخفة او الهزل. واذهب في ذلك الي انه اذا كان هناك حديث نبوي يتحدث عن ثلاث هزلهن جد وجدهن جد ' الزواج و الطلاق و العتاق ' , فان ثمة امورا في عالم السياسة ينطبق عليها ذات الكلام , منها الجيش و العسكر. ذلك ان المسئولية الوطنية و المصلحة العليا للبلد تفرض علي الجميع ان يتوخوا الحذر في الخوض في الموضوع , هازلين كانوا ام جادين.

ادري ان بعض الاصوات تثير المسالة في نقطة وسط بين الهزل و الجد , هي نقطة الوقيعة و الكيد. بمعني ان اصحابها لا يهزلون كما انهم ليسوا جادين في الدعوة لاستدعاء الجيش وتسلمه للسلطة , ولكنهم يريدون الوقيعة بينه وبين السلطة او بينه وبين الاخوان. وقد كان ذلك التصنيف في ذهني الي ان قرات ما نسب الي القيادي الاخواني الذي نقل عنه قوله ان المجلس العسكري دبر حادث الهجوم علي الضباط و الجنود ' الذين قتل منهم في رفح 16 شخصا خلال شهر رمضان الماضي ' , لاحراج الرئيس محمد مرسي , وهي القصة التي نشرتها جريدة ' الشروق ' يوم الاثنين 25/2 , وذكرت انها حصلت علي شريط ' فيديو ' لمحاضرة القاها القيادي المذكور , علي اخوان كفر الدوار ' محافظة البحيرة ' في نهاية الشهر الماضي , وكانت تلك الاشارة ضمن ما قاله. واذا كان ذلك صحيحا فانه يضيف تصنيفا آخر يتمثل في الخطاب غير المسئول , الذي لا هو هازل ولا هو جاد ولا هو ساع الي الكيد و الوقيعة. ولكنه مؤيد للسلطة وله موقعه داخل الاخوان , لكنه حين اراد ان يدافع عن الدكتور مرسي , فانه قال هذا الكلام بحسن نية شديد , ولم ينتبه الي انه جرح الجيش واساء اليه , بما يستحق التصويب فضلا عن الاعتذار عنه.

لي في مسالة المطالبة باستدعاء الجيش عدة ملاحظات هي :

انها دعوة ضد التاريخ وضد الديمقراطية. ذلك ان اي حكم رشيد يبدا باقصاء العسكر واخراجهم من ملعب السياسة , تمهيدا لتولي الشعب المهمة من خلال مؤسساته الديمقراطية و الدستورية. وللعلم فان هذه المعركة لم تكسبها تركيا الا بعد مضي 40 عاما من النضال السياسي.

ان الجيش المصري ظل بمناي عن الصراع السياسي طول الوقت. ولم يحدث ان تدخل لصالح طرف ضد طرف آخر. لان ثقافته وعقيدته العسكرية جعلت منه جيشا وطنيا محترفا بمعني انه حارس للوطن بالدرجة الاولي , وربما كان ذلك واضحا في خطاب وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي الذي حذر فيه ذات مرة من انهيار الدولة التي هو حارس لها. وفي غير ذلك فانه يظل بعيدا عن اية صراعات سياسية.

ان تجربة المرحلة التي تولي فيها المجلس العسكري السلطة في مصر لم تكن مشجعة , لان ادارة البلد عرضت الجيش وقيادته لسهام كان في غني عنها , ووضعت الشرطة العسكرية غير المدربة علي التعامل مع الجماهير في المظاهرات في مواقف اساءت اليها وكانت بدورها في غني عنها.

ان الجيش المصري بعد الثورة يشهد تطورات كبيرة من شانها استعادة شبابه ورفع قدراته المهنية و الاحترافية. ولان وزير الدفاع يولي هذه المهمة اولوية قصوي فانه يبدا عمله كل يوم في الخامسة و النصف صباحا , في حين ان رئيس الاركان لا يغادر مكتبه قبل الواحدة بعد منتصف الليل. وتبرز اهمية ذلك التوجه اذا لاحظنا انه طوال سنوات حكم مبارك الثلاثين كان الاهتمام بالشرطة يحظي بالقسط الاكبر من الاهتمام لانه ظل الحارس الحقيقي للنظام الذي اعتمد عليه في قمع المعارضين وتزوير الانتخابات وترتيب التوريث.

ان الذين يدعون الي تدخل الجيش لمجرد اسقاط ما يسمونه حكم الاخوان , لا يقحمونه فقط في الصراع السياسي ولا يقدمون لنا تصورا لما يمكن ان يحدث في اليوم التالي فقط ومن ثم يسلموننا الي مجهول لا يعرف الا الله تداعياته , وانما الاخطر من ذلك و الاسوا انهم يسعون الي توريط الجيش في معركة فرعية وتكتيكية , مضحين في ذلك بالدور المحوري و الاستراتيجي الذي ينهض به الآن مستهدفا به استعادة عافيته ورفع كفاءته ومهنيته. كانهم باتوا مستعدين لاسقاط حكم الاخوان باي ثمن , حتي اذا كان ذلك علي حساب الجيش ومستقبله. الامر الذي يدعونا الي التساؤل عما اذا كانت تلك الدعوة لاجل الثورة ام لصالح خصومها.

ليست هناك تعليقات :