عبر من 6 ابريل النسخة الهندية فهمي هويدي



في الخامس من شهر ابريل عام 2011 اعلن اناهازار الناشط الهندي و العسكري السابق اضرابا عن الطعام ومعه بعض انصاره احتجاجا علي استشراء الفساد في البلاد. احدث اعلانه هزة كبيرة في طول البلاد وعرضها , لانه لقي تاييدا واسعا في مختلف قطاعات المجتمع , التي تعاني الامرين من الفساد الذي اصبحت رائحته تزكم الانوف , وترددت اصداؤه في كل بيت تقريبا , باعتبار ان اي مواطن عادي لم يعد بمقدوره ان يقضي مصلحة الا من خلال الرشوة او الواسطة. ذلك غير مظاهر الفساد الاخري التي كثر اللغط حول تورط كبار المسئولين فيها. وازاء التاييد الواسع الذي لقيته دعوته فان الحكومة الهندية التي اصيبت بالذعر اضطرت الي الموافقة علي سلسلة من المطالب المتعلقة بسن تشريعات لمكافحة الفساد. وقد اسهم في الضغط علي الحكومة ليس فقط تجاوب المجتمع السريع مع دعوته , وانما ان الرجل اعاد الي الاذهان صورة الآباء المؤسسين لشبه القارة الهندية , خصوصا انه بدا متشبها في هيئته وحتي نظارته مع المهاتما غاندي , ثم ان وسائل الاعلام القوية ساندته بمختلف منابرها , التي تمثلت في اكثر من مائة قناة تليفزيونية , اضافة الي صحف لا تعد ولا تحصي تصدر بمختلف اللغات في كل الولايات.

كان من نتيجة هذه الحملة ان وزير الاتصالات اعتقل وسجن علي خلفية بيعه بشكل غير شرعي تراخيص كلفت الدولة 40 مليار دولار. وفي سياقها , اعلن جنرال عسكري انه عرضت عليه رشوة قدرها 2.7 مليون دولار لشراء شاحنات غير مطابقة للمواصفات المطلوبة. وتنافست نشرات الاخبار في فضح ممارسات المسئولين الذين حصلوا علي شقق كانت مخصصة لاسر المحاربين القدامي. و الذين شاركوا في توزيع رخص التعدين بطريقة غير مشروعة , وغيرهم ممن تورطوا في شراء الاصوات البرلمانية او في ابرام عقود البناء الملتوية لاصل دورة العاب الكومنولث لعام 2010. ولم تكن هذه كلها مفاجآت , لان مؤشرات الفساد كانت ظاهرة للعيان , حتي ان هناك تقديرات معتبرة تشير الي ان الفساد كلف الدولة الهندية منذ الاستقلال عام 1947 اكثر من 460 مليار دولار.

حملة مكافحة الفساد كانت ومازالت احدي شهادات قوة المجتمع المدني الذي ثار مؤخرا عندما وقعت ظاهرة الاغتصاب و القتل المروعة التي تعرضت لها طالبة جامعية في احدي الحافلات بنيودلهي خلال شهر ديسمبر الماضي , وترتب علي ذلك ان تقدمت 80 الف امراة هندية ببلاغات قررن فيها تعرضهن لاعتداءات مماثلة. الامر الذي مارس ضغطا قويا علي الحكومة و البرلمان. وهو ما انتهي باصدار تشريعات مشددة تم التلكؤ في وضعها طوال اربعة عقود.

قوة المجتمع المدني في الهند اثارت انتباه توماس فريدمان محرر صحيفة نيويورك تايمز فاجري في احدي مقالاته ' نشرت في 13/2 ' مقارنة من هذه الزاوية بين الهند و الصين ومصر , قال فيها ان في الهند مجتمعا مدنيا قويا وحكومة مركزية ضعيفة. اما في الصين فالحكومة المركزية قوية و المجتمع ضعيف , اما في مصر فالامر افدح , لان الحكومة ضعيفة و المجتمع ضعيف. واذا كان ضعف الحكومة من الامور المتفق عليها في مصر , الا ان ضعف المجتمع المدني يستحق منا وقفة. صحيح اننا لا نستطيع ان نتجاهل آثار المرحلة السابقة علي الثورة التي غيبت الديمقراطية واماتت السياسة وتم خلالها تشويه المجتمع وتجريفه. الا اننا لا نستطيع ان نتجاهل ايضا اندفاع كثيرين صوب تشكيل المنظمات و الائتلافات الشبابية و الاهلية بعد الثورة. ولكثرتها فان تلك المنظمات اصبحت تفوق الحصر ' التقديرات تتحدث عن رقم يتراوح بين 200 و300 منظمة ' . و الملاحظة الاساسية علي تلك المنظمات هي انها انخرطت بالكامل في العمل السياسي , وادارت ظهرها لقضايا المجتمع الحياتية. وبسبب من ذلك فانها اصبحت طرفا في الاستقطاب الراهن الامر الذي جعلها خصما من حيوية المجتمع وليست اضافة اليه. آية ذلك اننا اذا تجاوزنا عن المنظمات و المجتمعات النشطة في مجالات الحج و العمرة وتلك المعنية برعاية الايتام و المرضي ودفن الموتي , فسوف نجد ان ثمة مجالات وملفات مجتمعية مهمة تعاني من التجاهل وانصراف المنظمات الاهلية عنها , منها علي سبيل المثال ملفات التحرش و الفساد و العشوائيات و البطالة واطفال الشوارع و البلطجة و المزلقانات -- الخ. ولا تفسير لذلك سوي ان منظمات المجتمع المدني عندنا ربما لحداثة عهدها قدمت المظاهرات و الهتافات التي تتردد اصداؤها في الفضاء , علي العمل الجاد و الهادئ لمعالجة اوجاع الناس. رغم ان الاول يذهب هباء في آخر النهار , و الثاني هو ما ينفع الناس ووحده الذي يمكث في الارض.

ليست هناك تعليقات :