فرصة يجب أن لا تضيع سيف الدين عبد الفتاح



اشرت في المقالة السابقة الي عموم ظاهرة الزهايمر السياسي لدي السلطة و الرئاسة و المعارضة و القوي السياسية , وفي هذه المقالة نؤكد انه من الواجب ان تنهض هذه القوي بحالة من استعادة الذاكرة واحياء مراكز تذكرها , وممارسة اقصي درجات النقد الذاتي لديها حتي يمكن ان نخرج من حال الازمة المرشحة , ان تركت تتراكم , قد تتحول لكارثة وطن لا يمكن تفاديها لا قدر الله , ومن هنا فانني اضع كل هؤلاء امام المسئولية الوطنية واستثمار قدرات الفاعلية و التاكيد علي قيام كافة الاطراف بادوارها الاساسية من سلطة رشيدة , ومعارضة وازنة , وحكومة فاعلة , واطار يجمع هذه القوي في سياق يحمل مفاتيح الاتفاق و التوافق اكثر مما يشير الي حالات الانقسام و الاستقطاب , ويجعل كل هذه القوي جزءا من الحل لا جزءا من الازمة.

_ _ _

ان تاجيل الانتخابات نتيجة حكم المحكمة الادارية انما يشكل فرصة حقيقية لاستثمار مساحات الزمن المتاح , وامكانات القرار المفضي الي النجاح , علي كافة القوي ان تقوم بعملية مراجعة حقيقية تصدق فيها مع وطنها , وتتصالح فيها مع شعبها الذي بدا يضجر من ممارسات من رئاسة تبدو غير مكترثة , ومن معارضة تبدو اسيرة مواقفها المغلقة و المتصلبة , في هذا الاطار يجب الامتناع عن لعبة الشد و الجذب بين الرئاسة و المعارضة تلك التي يمكن ان توقع الوطن في ورطة لا مخرج منها , ومن هنا نشير الي مخرج يمثل مربع الحل في هذا السياق الذي يؤكد علي قيام كل طرف بمسئولياته , المربع يشتمل علي اربعة اركان ' الرئاسة , و الانتخابات البرلمانية , و الدستور , و الحكومة ' , مربع لا يمكننا ان نخطئ ضرورات التساند بين اضلاعه بما يشكل حقيقة اساسية في معادلة الخروج , ' ولو ارادوا الخروج لاعدوا له عدة ' .

اما عن الضلع الاول المتمثل في مؤسسة الرئاسة , فمن الواجب ان نؤكد ان هذه المؤسسة لم تفلح بعد في ان ترسخ اصول مؤسسيتها . سواء في كياناتها , او في جهازها الاتصالي و الاعلامي , او في عمليات صناعة القرار , وهو امر يتطلب من الرئاسة ان تقوم بعملية حقيقية لبناء مؤسسة الرئاسة من جديد علي اسس وقواعد تؤكد قيامها بادوارها كمؤسسة تمثل كل المصريين , ويعد فيها الرئيس رئيسا لكل المصريين , ويتخذ فيها القرار ويصنع بالفاعلية الواجبة التي تجعل من اهل التخصص و الجدارة و الاستحقاق و الاهلية و الكفاءة هي الطاقة الاساسية لهذه المؤسسة لتؤصل معاني فاعليتها وقدرات وظيفتها لا اهل الثقة و الولاء , كذلك فان الخطاب الذي يصدر عن مؤسسة الرئاسة اعلاميا كان او رئاسيا لا يزال واهنا باهتا. ان تكافؤ الخطاب الرئاسي مع الحالة الثورية من جانب , ومع سعة الوطن من جانب آخر , ومع مطالب الشعب واحتياجاته الاساسية من جانب ثالث ليشكل مثلثا غاية في الاهمية لبناء خطاب اتصالي وتواصلي فعال , كل ذلك يؤكد ضرورة ان تقوم الرئاسة باستعادة ذاكرتها , واحياء كل عناصر فاعليتها بما يؤكد قدرتها علي الاداء الفعال و الانجاز المامول.

ان خروج مؤسسة الرئاسة من حال الاداء المترهل و المتردد ليمثل حاجة ضرورية حتي يمكن المبادرة باستثمار مساحات القرار و الاختيار وتحديد المسار , ذلك ان مؤسسة الرئاسة بمكانتها في المجتمع المصري , انما تعبر عن طاقة المبادرة للقيام بكل ما من شانه النهوض بهذا الوطن , وبالاعتبار الذي يؤكد ان الرئاسة قادرة علي المبادرة بالقرار الرصين و الرشيد و المؤثر بحيث تشكل رافعة حقيقية للممارسة السياسية علي تنوعها و العملية السياسية برمتها , وهو ما يجعل دور صناعة التوافق مرهون بقدرة هذه المؤسسة علي الاداء الرشيد في هذا المسار و الذي يشير ومن كل طريق الي ان المسار الرئاسي في هذه الآونة لا يمكن ان يؤدي الي حال التوافق المامول و المامون.

_ _ _

وهنا لابد وان ننتقل الي مساحة للفعل في العمل السياسي تشكل الضلع الثاني وتتمثل في الانتخابات البرلمانية التي جعلنا من تاجيلها فرصة يجب الا تمر من دون عمل فعال يحقق ارضية لبناء الثقة الواجبة بين مختلف القوي السياسية , حتي تضمن مناخا مامونا ومواتٍ لانجاز عملية انتخابية تتسم بالنزاهة و الحيدة و الشفافية , وتشكل تصويرا حقيقيا في سياق التمثيل السياسي لرفع خريطة حقيقية لهذه القوي السياسية واوزانها علي الارض , ومن هنا فان العملية الانتخابية تحتاج ان تحاط بحزمة من الضمانات تمكن لمعاني الثقة السياسية و المجتمعية بين كافة القوي الفاعلة في كيان العملية الانتخابية , ويتمثل ذلك في قاعدتين مهمتين :

الاولي تتمثل في بناء قانون يحقق اصول التوافق الفعال و الاتصال الواجب بين القوي السياسية واسهام كافة هذه القوي في الصياغة الحقيقية لقانون انتخابات يمثل عناصر العدالة المرجوة لتشكل حالة انتخابية يمكن ان تباهي بها الدولة المصرية.

اما القاعدة الثانية فانها تشير الي ضرورة الضمانات الحقيقية التي تتعلق بالبيئة الانتخابية بحيث تشكل هذه الضمانات طاقة مضافة وايجابية في سير العملية الانتخابية وعدالة نتائجها ونزاهة مسيرتها , هذه الضمانات لابد وان تشكل منظومة في الرقابة و المتابعة لكافة مراحل العملية الانتخابية لتحقيق العدالة واركانها الاساسية . فتجعل من اللجنة العليا للانتخابات مع لجان اخري من الاحزاب و المجتمع المدني بكافة اطيافهما تضمن مسيرة النزاهة و الحيدة و الشفافية , علي مسار العملية الانتخابية في كافة مراحلها.

_ _ _

اما الضلع الثالث فانه يتمثل في الوثيقة الدستورية التي اكدنا علي ضرورة ان تعكس الحالة التوافقية , ويشكل الوقت المتاح لاجراء تعديلات حقيقية يتفق عليها يمكن ان يتدارك فيها بعض ما اصاب الدستور من تنازع وعدم اتفاق بحيث تشكل هذه الوثيقة الدستورية وثيقة توافقية مجتمعيا وسياسيا. ان مسار التعديل يجب ان يكون من المسارات التي تجعل الرئاسة و القوي المعارضة تقوم بعملية التعديل بالجدية الواجبة , وبتوثيق الاتفاق حول هذه المواد القابلة للتعديل من غير تسويف او تاجيل , ومن هنا وجب تامين اتفاق علي هذه التعديلات في اطار ضمانات تعطيها قوي موثوق فيها , وكذلك التزام القوي السياسية بالتنفيذ الواجب و الاكيد من غير مراوغة او مداورة , ويترافق مع مسار التعديل مسار التفعيل الذي يجب ان تقوم بها كل المؤسسات وكافة القوي السياسية التي تؤكد ان للدستور استحقاقات يجب ان نقوم عليها في اطار تاسيس الاستراتيجيات وحزمة من التشريعات وصياغة السياسات وبناء المؤسسات وتحريك الآليات الواجبة لتفعيل النصوص الدستورية باعتبارها خطة مستقبلية لبناء الوطن.

_ _ _

اما الضلع الرابع وهو الحكومة , فيعني ضمن ما يعني , ان ما وقع في يقين البعض من ان الفترة المتبقية لا تستاهل تشكيل حكومة جديدة , فانه مع تاجيل الانتخابات قد يختلف الامر , خاصة ان اداء الحكومة الحالية لا يتكافئ باي حال مع متطلبات الفاعلية وحاجات المجتمع الحقيقية , ومن هنا فان هذه الفترة تعد فرصة حقيقية لتشكيل حكومة وطنية تجمع ما بين السياسيين و التكنوقراط , بحيث يتساند كل هؤلاء للقيام بعملية اقلاع حقيقية توصلنا الي انتخابات برلمانية يمكن ان تفرز حكومة تستند الي كل ما يمكن ان تنجزه هذه الحكومة المؤقتة من ايجابيات , وفي هذا المقام فاننا نؤكد علي ضرورة ان تتمتع هذه الحكومة الجديدة بوضوح الرؤية و التصور الاستراتيجي لهذه المرحلة القائمة , لمواجهة المشكلتين الاساسيتين اللتين تتعلقان بالاقتصاد و الامن , فضلا عن ضرورة الاستفادة مما تحمله المعارضة بالفعل من افكار وسياسات حول العدالة الانتقالية وكذلك العدالة الاجتماعية , و القضايا التي تتعلق بالمجتمع المدني وحقوق الانسان , بحيث تشتمل هذه الوزارة علي ثلاثة وزراء دولة يهتمون بهذه الشئون ويقدمون فيها سياسات حقيقية للتطبيق , بما يترجم هذه السياسات الي واقع حقيقي ينهض بالوطن في هذه المجالات.

_ _ _

الفرصة سانحة قد لا تتكرر , ومن ثم فان اهدارها يشكل مسئولية كبيرة في هذا الظرف التاريخي , وواجب استثمارها من واجبات الوقت الذي تجتمع الهمم فيه وعليه , وترجمة هذه الفرصة الي عمل مكين وامين ورصين يؤمّن الوطن ويحمي الثورة , فرصة يجب ان يشارك الجميع في صناعتها و التمكين لعملية استثمارها , اقول للجميع : لا تدعوها تمر.

' فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ' .

ليست هناك تعليقات :