المشكلة في مبارك و لا في مصر و لا فينا ؟ معتز بالله عبد الفتاح


احيانا يلتقي الانسان بشباب واعد ومحترم وجاد ويجد لديه من الحماس ما يجعله راغبا في ان يغير الكون بما اعطاه الله من طاقة داخله. وهذا هو المعتاد عند هذه الشريحة العمرية , وهذا هو المعتاد في اعقاب ثورة عظيمة كانت قائمة علي افتراض ان مصر كانت مصر بسبب ' مبارك ' . ولكن مع ذلك تجد روح الاحباط موجودة عندهم , اعتقادا منهم اننا نضيع الوقت و الجهد في ما لا يفيد , وهنا بداوا يكتشفون ان ' مبارك ' كان ' مبارك ' بسبب مصر.


لازم اقولها مرة اخري حتي نفكر فيها معا : الثورة قامت علي افتراض ان مصر كانت مصر بسبب ' مبارك ' , ولكننا الآن نكتشف ان ' مبارك ' كان ' مبارك ' بسبب مصر.

يعني ايه؟

يعني ' مبارك ' كان الفرعون البارز علي قمة مؤسسات الدولة , ولكن كل واحد فينا داخله فرعون صغير يظهر حين تتاح له الفرصة , كما قال الزكي النجيب محمود , رحمة الله عليه. وكل واحد سيتاح له حكم مصر لا بد ان يتخلص اولا من هذا الفرعون رباعي الابعاد. انه الفرعون الذي يظن انه الحق و الخير و الجمال و الوطنية , وان المخالفين له هم الباطل و الشر و القبح و الخيانة ' اسطورة التمركز حول الذات ' , والا يقع اسيرا للتبسيط المخل للمشاهد المركبة التي نعيشها فيبحث عن كلمة واحدة تلخص له الكون حتي لو كانت خطا ولا يدخل في التشخيص المركب حتي لو كان صوابا ' اسطورة الاختزال ' , والا يتحول كل اختلاف في وجهات النظر الي حالة من الكراهية و الغل و العداء , والا يتحول اي اتفاق في وجهات النظر الي حالة من التقديس و العشق و التاييد الابدي ' اسطورة الفُجر في الاختلاف ' . لو كان لي من طلب من القارئ الكريم , نقول ما يلي ثلاث مرات : انا لا احب فلانا او اكرهه , انا اتفق معه او اختلف معه.

والفرعونية السياسية ترتبط بظاهرة المناضل الباحث عن قضية , اي الشخص الذي قرر ان يكون بطلا قوميا ونفسه يكون جيفارا ويبحث عن الاستعمار الذي يريد تحرير البلاد منه . فبدلا من ان يبدع في مجال عمله في الطب او الهندسة او المحاماة او الادب , فقد وجد ان الافضل ان يحمس الناس من اجل القاء الطوب و المولوتوف ويحرق مؤسسات الدولة ويدخل نفسه وغيره في مغامرات يترتب عليها تعريض حياته , التي لا يعرف هو كم هي غالية علي الوطن باكمله , وحياة آخرين من اجل الانتصار في معركة وهمية. لا بد ان يخرج الشباب من رومانسية الثمانية عشر يوما العظيمة التي شهدناها في بداية الثورة , لنفكر الآن بمنطق كي يتحول النضال للتخلص من الاستبداد الي تخلص من الجهل و الفقر و المرض التي هي من اسباب الاستبداد.

ماذا عن الشباب الذي قرر الا ينخرط في عمل سياسي او حزبي بعد؟

هؤلاء لا ينبغي ان يشعروا بالذنب انهم غير منتمين حزبيا , ولا ينبغي ان يفكروا بمنطق ان عليهم اصلاح مصر او خدمة مصر. وبالتالي تكون الرؤية اننا نريد اصلاح مصر. انا في الحقيقة من مدرسة الا نخدم ' مصر ' وانما ان نخدم ما يقع في اطار تاثيرنا من ' مصر ' . مصر بالنسبة لاغلبنا لا تزيد علي مائة متر مربع تقع في محيط السكن الذي نعيش فيه او المسجد او الكنيسة التي نصلي فيها. كيف يكون امام المسجد او الكنيسة هذا الكم من القمامة و الناس يدخلون ويخرجون وكان القمامة لا تتناقض مع صحيح العبادة.

توقَّف عن التفكير في خدمة مصر لليلة واحدة , وقرِّر وحدك او مع احد اصدقائك ان تنظف امام بيتك او امام المسجد او الكنيسة. فكِّر في مكان عملك ان تعين ملهوفا ذا حاجة وتكون هذه هي خدمتك لمصر , فكِّر في ان تاخذ دراستك بجدية اكبر ولو ليوم واحد في الاسبوع , وتكون هذه هي خدمتك لمصر , فكِّر في الا تبخل علي مصر بجهدك بخدمة من وما يقع في المائة متر مربع المحيطة بك.

لا تضيع وقتك كثيرا في تدمير الآخرين , اسعَ لبناء نفسك وبلدك , واجعل خدمتك لها بعيدا عن سب وقذف الآخرين , لان هذا لن يخدم البلد في شيء.

ليست هناك تعليقات :