وغاية الامر في هذا المقام ان ترتبط عملية الانتخابات بامكانية حقيقية في التداول السلمي للسلطة يتحقق من خلاله قواعد الرقابة و المتابعة و المحاسبة الشعبية لهذه القوي الداخلة في خضم العملية الانتخابية , ومن هنا نشير الي ان الانتخابات كما اكدنا فيما سبق لا تصلح وحدها او تكتفي بذاتها للتعبير عن حقيقة الشرعية ومكنوناتها ذلك انها تعتبر اهم مفتتح في مسار الشرعية ولكنه ليس بنهاية المطاف , الشرعية في هذا الاطار مسار ممتد يبدا بالانتخابات ويمر بالسياسات و القرارات ويقاس بالاداءات و الانجازات.
_ _ _
ومن هنا يحمل ذلك العنوان رسالة متعددة الابعاد , الاولي اوجهها الي جبهة الانقاذ ومن لف لفهم في مقاطعة الانتخابات و الامتناع عن المشاركة فيها , و الثانية تتجه الي الاخوانيين الذين يرتكنون الي الانتخابات في كل وقت وحين.
اقول في رسالتي الاولي للانقاذيين : لا تلعنوا الصناديق , ولا الانتخابات , ولا تتهموا هذا الشعب بانه في حالة من عدم الوعي و الامية لا يقوم بالتصويت الملائم او يتمتع بالوعي التصويتي اللازم , هذه الرؤية تعبر في النهاية عن رؤي متناقضة تطالب فيها جبهة الانقاذ بضرورة تاجيل الانتخابات التي تتعلق بتاسيس البرلمان بينما تطالب في ذات الوقت باجراء انتخابات رئاسية مبكرة لتكشف عن مقصودها لكونها في حقيقة ممارستها لا تهتم بانتخابات تتعلق بشكل مباشر بالجماهير ومصالحها وبالشعوب ومعاشها , في كل مرة طلبت هذه القوي تاجيل الانتخابات حتي يكون الظرف السياسي مواتيا ولم تقدم المرة تلو المرة اي مسوغ او اي معايير يمكن ان نستند اليها في اطار تعيين الوقت المناسب لاجراء انتخابات حقيقية يمكن ان تدخلها هذه القوي من غير طلب للتاجيل ومن غير اي تاويل.
ظلت هذه القوي تاتي بالحجج تلو الحجج وبالتبريرات و المعاذير حتي تعتذر عن دخول الانتخابات وكانها مثل الطالب المقصر الذي حينما يحين استحقاق الامتحانات فاذا به يراوغ ويبحث عن التبرير الذي لا يجعله في موضع اختبار او تقييم , ويصاحب هذا خطاب ان في امكان هذه الجبهة ان تحصل علي ما يقرب من ثلثي المقاعد وفق التصريحات لبعضهم في هذا الشان , وكان تقييم الامور ياتي من مجرد تكهنات وادعاءات , بينما لا يرغب هؤلاء ان يدخلوا علي محك الانتخابات حتي تظهر التقييمات الحقيقية لتعكس اوزان القوي المختلفة علي ارض الواقع , قد يكون من المشروع ان تطالب هذه القوي بالضمانات الكافية لنزاهة الانتخابات وضمان الشفافية المتعلقة باجراءاتها وعمليات تسييرها وضمان مطابقة نتائجها لواقع الحال في تصويت حر وتمثيل حقيقي , وقد يكون من المشروع ان تعبر هذه القوي عن ضرورة ضمان المناخ الملائم و المواتي لاجراء انتخابات تتسم بالمصداقية و النزاهة و الشفافية , ولكن ليس من المنطقي ان ناتي كل مرة عند اعتاب الاستحقاق الانتخابي ونراوغ ونلعن الصناديق ونمتنع عن الانتخابات ونقاطع الامتحانات ' الانتخابات ' , ونطالب المرة تلو المرة بتاجيل بعد تاجيل , ذلك ان هذه القوي يبدو انها استمرات اوضاعا تشير الي ممارسة فضائية من خلال اعلام فضائي صارت تجد الفرصة فيه للتعبير عن موقفها وآرائها وتضغط من خلاله وتتصور انها تكتسب بعض النقاط , بينما لا تريد الاشتباك الفعلي في اطار انتخابات برلمانية واجبة الاستحقاق وترتب حقوقا للهيئة الناخبة علي من انتخبوهم.
_ _ _
اما الرسالة الثانية فهي تتجه الي الاخوانيين ومن لف لفهم وتعاطف مع مسارهم الذي يصدع في كل مرة انها الانتخابات! فلنحتكم الي الصناديق , ولسان حالهم يقول اليست هذه هي الديمقراطية؟ اليست الانتخابات هي التمثيل الحقيقي للعملية الديمقراطية واستثمار آلياتها؟! , اليست الانتخابات و النتائج المتعلقة بها هي الفيصل في تحقيق القوي السياسية وتمثيلها البرلماني؟ , في كل مرة سنصل الي العتبات الانتخابية فنجدهم يهللون انها الانتخابات!! انها الانتخابات!! , اقول لهؤلاء الذين احترفوا الانتخابات وجعلوها وثنا يعبدونه وليست وسيلة كاشفة عن حقائق التمثيل السياسي , وعن قدرات تنظيمية يحاولون من خلالها ان يثبتوا بانهم هم اجدر بالتمثيل , لا تركنوا الي الانتخابات , ذلك انها كوسيلة اذ تعبر عن مؤشرات التمثيل فانها في حقيقة الامر يجب ان تقترن بمسارات الرضا الذي يمكن ان يستدل عليه بغير الانتخابات في اطار من تقييم الاداءات وتحقيق الانجازات وتدشين السياسات واصدار القرارات ضمن عملية فاعلة حقيقية تجعل منها اذنا بل ايذانا لهذه القوي ان تمارس اقصي فاعليتها لتحقيق اهداف هذه الشعوب في ترقية معاشها و النهوض بحياتها وتلبية مطالبها ومواجهة تحدياتها.
_ _ _
ان الركون الي الانتخابات تلو الانتخابات و التلهي بها لا يمكن باي حال من الاحوال ان يكون عوضا عن اداءات مكينة وسياسات رصينة تعبر عن مصلحة الوطن و الحفاظ علي هذه الثورة , فان كانت الانتخابات مصحوبة ببعض الصفقات و المساومات فان ذلك علي المدي المتوسط لا يمكنه ان يقيم حكما , ولا ان يعدل مسارا , ولا ان يحدث رضا , ان الركون الي الانتخابات عملية محفوفة بالمخاطر لانها قد لا تنتهي خاصة في حال البناء وفي فترات الانتقال , ولا يمكن باي حال من الاحوال الارتكان الي ان الانتخابات هي الطريق الوحيد لبناء مؤسسات الدولة المنتخبة , ذلك ان الفكرة الوثن ' الانتخابات ' حينما تتمكن من صاحبها تعميه عن كل غاية ومقصود , فهنالك فارق كبير ما بين بناء المؤسسات وتاسيسها وتمرير المؤسسات وتفريغها من مضمونها ومن حقائق وظيفتها التكوينية و التمثيلية و الرضائية التي تتعلق بعموم الناس وبمصالحهم , ان اقامة هذه المؤسسات من باب التمرير انما يخرجها مشوهة المبني ومشوشة المعني ومزيفة الوظائف , ويصير صناعة المناخ السياسي الذي يتعلق بقدرة هذه المؤسسات لابراز حقيقة التمثيل وفاعلية التاهيل وقدرات العمل و التفعيل انما هو الفيصل في تكوين مؤسسات حقيقية.
_ _ _
مر الزمن الذي يمكن ان نقبل فيه مرة اخري مؤسسات ' كان ' او مؤسسات ' الزينة ' او مؤسسات ' سد الخانة ' علينا ان نعرف للمؤسسات جوهرها وان نحدد لها وظائفها وان نعين لها ادوارها وان نحدد لها مناط فاعليتها وكفاءتها واهليتها وان نؤصل معاني تكافؤ هذه المؤسسة مع متطالبات مصالح الوطن العليا , وضرورات وحاجيات الشعوب الكبري , وحقائق واهداف الثورة المثلي , هنا فقط تكون المؤسسات مؤسسات حقيقية لا مؤسسات تمرير او مؤسسات تبرير او مؤسسات تفريغ او زينة او الهاء.
اذا ايها الانقاذيون لا تلعنوا الصناديق -- ايها الاخوانيون لا تركنوا الي الصناديق -- انها كلمة ورسالة القيها عليكم حتي يكون ذلك ضمن مسار تاسيس لوطن جديد , وثورة لا تستحق منا الا المواقف الحقيقية التي تكافئها وتباركها وتمكنها.
وحتي يمكننا ان نكسر حلقة المواقف المغلقة و الدائرة المفرغة فان علي الرئاسة ان تعمل خارج الصندوق , وعلي جبهة الانقاذ ان تخرج من صندوق المواقف المغلقة و المتصلبة , وعلي الاخوان ان يبراوا من اسر الصناديق وغوايتها , كل يجب ان يخرج من الصندوق الذي انحبس فيه , ان سعة الوطن لا تحتمل انحباس كل منكم في صندوقه , الوطن لم يعد يحتمل ضيق الافق او تصلب المواقف , او عمليات التمرير او التبرير.
الا هل بلغت اللهم فاشهد.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق