البطالة أكبر مهدد لنجاح الثورة أحمد منصور



الاوضاع الضبابية و المضطربة في كل من مصر وتونس و اليمن , وربما تكون ليبيا حالة اسثنائية كدولة غنية منذ قيام الثورات بها قبل اكثر من عامين , افرزت اشياء كثيرة وتغيرات هائلة سوف يكون لها انعكاساتها المستقبلية علي هذه الدول وعلي دول المنطقة بشكل عام وعلي الخرائط السياسية و الجغرافية التي يحاول الغرب الذي كان يحكم قبضته وما زال علي سياسات واقتصاد كثير من هذه الدول ان يعيد هو رسمها بالشكل الذي يناسب مصالحه , لا سيما ان هذه الثورات قامت دون قيادات او رؤي واضحة باستثناء التخلص من الانظمة الديكتاتورية التي كانت تحكمها , غير ان اكبر المظاهر السلبية التي تفاقمت في تلك المجتمعات في اعقاب الثورات , وبدات تشكل عنصرا مهددا للثورات هي البطالة , فالاقتصاد تاثر بشكل كبير وادي الي اي انكماش المشروعات التي كانت قائمة و المشروعات التي كان يخطط لها , ومن ثم ارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير , ففي مصر علي سبيل المثال , اُغلق كثير من المصانع , وتوقف كثير من مشروعات الاعمار , وقبض الناس علي ما تحت ايديهم من اموال انتظارا لما سوف تسفر عنه الايام القادمة , مما ادي الي التخلي عن اي طموحات مرحلية , وقد انعكس هذا علي زيادة عدد ونسبة العاطلين الذين يقدَّرون في مصر وحدها باكثر من اربعة ملايين عاطل , ما يقرب من 70 في المائة منهم من الفئة العمرية التي تقع بين 20 و29 عاما , وهذا يعني ان الوقود الرئيسي الذي يحرك المجتمعات , وهم الشباب , عاطلون عن العمل , فالمتزوجون من هؤلاء لا يستطيعون اعالة اسرهم , وغير المتزوجين فقدوا آمالهم في الحصول علي اي فرص للزواج او تكوين بيت , و الحال مشابه في تونس و اليمن , ومن ثم فليس امام هؤلاء سوي الاحتجاج علي اوضاعهم اولا وعلي السياسات التي اوصلتهم الي الحال المزري الذي هم عليه.

ان تجربة خروج الانسان من بيته صباحا من اجل الحصول علي لقمة العيش له ولاولاده وانقضاء اليوم دون ان يستطيع الحصول علي قوت يومه تجربة مريرة ومؤلمة ومدمرة , تحوله الي فريسة سهلة لكل شيء , و الجوع يؤدي الي الكفر , مما يدفع الانسان تحت وطاة الحاجة و الاحتياج لان يقبل بكل ما يُعرض عليه القيام به او التمرد و العصيان , وفي هذا الاطار لا ادري مدي دقة قول ابي ذر الغفاري رضي الله عنه : ' عجبت لمن لم يجد قوت يومه الا يخرج شاهرا سيفه علي الناس ' , لذلك لا استطيع لوم كثيرين ممن يخرجون كل يوم من بيوتهم , وكل املهم ان يجدوا عملا يدر عليهم دخلا يحصِّنون به انفسهم واهاليهم من العوز و الحاجة لا سيما اذا كانوا في العمر الذي بين العشرين و الثلاثين , وهو عمر العطاء القوي في حياة الانسان حينما يغضبون ويثورون , من ثم فان القوي , سواء الداخلية او الخارجية التي تعمل علي تقويض الاوضاع في هذه البلاد تجدها فرصة لاستغلال هؤلاء واوضاعهم لمحاولة شراء ذمم ضعيفي النفوس منهم ومنحهم الاجر اليومي الذي ربما كانوا يتقاضونه في اعمالهم مقابل ان يمارسوا التخريب واغلاق الطرق و التظاهر الذي يُشل الحياة , حيث يمتزج الغضب الداخلي لديهم من سوء اوضاعهم مع المصلحة الشخصية في الحصول علي ما يسد قوت ابنائهم او حاجاتهم الاساسية , من هنا فان البطالة هي من اقوي الاسلحة المدمرة للثورات , وطالما بقيت هناك بطالة دون رؤي او حلول عملية للقضاء عليها ولو علي مراحل , فان هذه الثورات سوف تبقي مهدّدة , لان كل انسان عاطل لديه مسئوليات في الحياة يريد ان يلبيها , وفي مصر علي سبيل المثال ما يزيد علي مليون عامل يومية يخرج من بيته كل صباح يبحث عن عمل ان وجد اكل واكل اولاده وان لم يجد عاد صفر اليدين آخر اليوم وهو منكس الراس يشعر بالذلة و المهانة التي يمكن ان يخرجها غضبا وسخطا علي هذا المجتمع الذي لم يمنحه الفرصة لتلبية حاجاته الاساسية , ورغم ان الدستور المصري الجديد قد اوجب علي الدولة ان تكفي حاجات الناس و الا يكون هناك عاطل دون مورد , فان الوصول الي هذه الدرجة من الكفاية الاقتصادية بحاجة الي سنوات طويلة __ لكن الامر الملح الآن كيف نقضي علي البطالة حتي تنجح الثورة وحتي تبدا عجلة الاقتصاد في الدوران من جديد ؟

ليست هناك تعليقات :