صناعة الفوضى المنظمة في مصر أحمد منصور



اصبح السؤال الذي يوجهه اليّ مِن كل من يقابلني في اسفاري عن حجم الفوضي واتساعها في مصر بشكل كان يشعرني بالقلق حينما اكون بعيدا عن اية وسائل اعلام او اتصال بالمصادر الاخبارية , الاسئلة عن مصر كانت كثيرة خلال الاسابيع الثلاثة الماضية , وقد كنت اتلقاها بقلق من الاوروبيين الذين التقيتهم خلال جولتي الاخيرة , ولم تكن هذه الاسئلة علي مستوي المسئولين و المثقفين و السياسيين فحسب , ولكن حتي علي مستوي البائعين في المحلات او الذين يعملون في المطاعم , الذين يعرفونني منهم يسالونني مباشرة بلهف , و الذين لا يعرفونني حينما يعلمون انني مصري يسالونني مباشرة عن مصر و الاضطرابات التي بها , واستطيع من خلال القلق الذي لاحظته لدي كل من سالني ان اؤكد ان السياحة ليست علي ما يرام و الاقتصاد وضعه متردٍّ و العلاقات الدولية مع مصر في حالة ترقب , ورغم ان الاعلام يضخم حالة الفوضي ويعطيها هالة كبيرة فان الوضع لا يستهان به علي اي الاحوال , لا سيما بعدما قام المتظاهرون , ايا كان وضعهم , باغلاق البورصة ومجمع التحرير ثم طريق المطار حتي اجبار بعض المسافرين علي السير لمسافة طويلة علي ارجلهم من اجل ان يلحقوا بالطائرات , وفي حالة العصيان المدني التي دعوا اليها دخلوا بالاسلحة علي المدارس و المؤسسات الحكومية , واجبروا الجميع علي مغادرتها , هذه السلوكيات لا تمس الحكومة , ولا تمس الرئيس مرسي او ' الاخوان المسلمين ' , وانما هي سلوكيات موجهة ضد مصر وشعبها , تضر بالاقتصاد و الامن القومي وتنعكس علي الاستقرار ومكانة مصر الدولية.


انقبض قلبي امس الاول حينما سالني احد الايطاليين الذي كنت اشتري منه شيئا فسالني من اي البلاد انت؟ قلت من مصر , قال وعلامات الاسي علي وجهه : لديكم مشاكل كبيرة في مصر اليوم؟ اعتقدت ان الامر به تطورات غير عادية , تركت ما في يدي وركضت ابحث عن وسيلة تواصل مع الاخبار في ارجاء المكان , وجلست اقلب بقلق تطورات الوضع في مصر , وقلت : يا الهي , مصر كنانة الله في ارضه الكل يسال عن اخبارها ويريد ان يعرف ماذا يجري فيها , ورغم عادة الاوروبيين في عدم الاهتمام الا بشئونهم الداخلية التي تمس حياتهم بشكل مباشر , فان الثورة المصرية جعلت شعوب الارض جميعا تقف في تحية واكبار للشعب المصري علي ما قام به , وجعلته يرقب الثورة وتطوراتها , وجعلت كثيرين منهم في شوق لزيارة مصر و التعرف علي شعبها المعطاء الطيب , هذه الشعوب الآن قلقة علي ما يحدث في مصر وعلي المخاطر التي تتعرض لها هذه الثورة , وتتابع كل يوم بقلق ما يحدث علي ارضها وما تنقله وسائل الاعلام المختلفة.

لاحظت ان تصاعد التظاهرات في مصر له مواسم ترتفع فيها موجة التظاهرات ثم تنخفض , ولم يعد عاقل يعتقد ان ما يحدث مرتبط بمطالب تُرفع سرعان ما تتغير اذا تمت الاستجابة لها , بل مرتبط باهداف ربما تكون ابعد بكثير مما يخرج المتظاهرون من اجله , واذا كان البعض يخرج باخلاص لا شك فيه , فان كثيرين يخرجون بتوجيهات ليست بريئة او للاسترزاق , لان الاستقرار يعني خروج مصر من عنق الزجاجة وجذب الاستثمارات ودوران عجلة الانتاج واستقرار الامن , اما الفوضي فتعني الا تخرج مما هي فيه حتي لا تسترد مصر مكانتها وقرارها وتبقي مازومة تدور في اطار مشاكلها التي لا تنتهي.

ان الفوضي حرفة وصناعة وليست تحركات عفوية او مطالب فئوية , فما يحدث في مصر هو فوضي منظمة تديرها جهات تعرف ماذا تريد , وان كان الذين يمارسون الفوضي بعيدين تماما عن ادراك هذه الاهداف , ولا يشك في النوايا الحسنة لكثيرين منهم , لكن ما يقومون به يصب في النهاية في مصلحة اعداء مصر , وعلي راسهم اسرائيل التي تدرك ان مصر يجب ان تبقي في حالة فوضي وعدم استقرار , لان استقرار مصر يعني ان اسرائيل سوف تجبر علي احترام تعهداتها و التزاماتها علي الاقل مع جيرانها , حينما تتوقف الفوضي سيبدا الاستقرار وتدخل مصر مرحلة جديدة في ثورتها وتاريخها , فمتي تتوقف الفوضي في مصر؟

ليست هناك تعليقات :