داخلية و قضاء قطاع خاص معتز بالله عبد الفتاح



مفهوم الخصخصة يعني تحويل الملكية العامة الي ملكية خاصة , واهم المؤسسات التي لا يمكن خصخصتها مؤسستا الامن و العدالة , وحتي لو حدثت خصخصة لبعضها فيكون باذنها ووفق ضوابطها وهي في قمة قوتها وليس في حالة ضعفها , وليس بديلا عنها. ان مظاهر خصخصة مؤسستي الامن ' الشرطة ' و العدالة ' المحاكم ' كثيرة , وكلها تصب في خانة الايحاء بانهما لا تتمتعان بالاستقلال المؤسسي عن الاحزاب و القوي السياسية المختلفة.
التظاهر حق مشروع , لكن الحصار وغلق الطرق ومنع الموظفين العموميين من التوجه الي اماكن عملهم سواء بغرض الضغط عليهم او النيل من احترام الناس لهم يسهم في هذه الخصخصة غير الوطنية. تعيين نائب عام , مع احترامنا لشخصه , علي نحو يجعل البعض ينظر له علي انه ' نائب عام خاص ' او النظر للشرطة علي انها ' شرطة ملاكي ' يجعلنا امام استمرار لنفس النزعة لخلق ثقافة خصخصة مؤسسات لا يمكن ولا ينبغي خصخصتها الا اذا كنا بصدد خلق مؤسسات دولة بديلة داخل الدولة الاصلية , كما حدث مع حالة حزب الله في لبنان , وهي حالة استثنائية بكل المعايير , حيث للحزب جنوده واقتصاده ومخابراته واجهزة اتصالاته الداخلية و الخارجية و المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها.

ان مؤسسات الدولة السيادية مطالبة بان تنهض باعبائها لمقاومة فيروس الفوضي المنتشر. وساعطي مثالين ناجحين لمسلك مؤسستين مهمتين . المثال الاول هو حكم محكمة القضاء الاداري الاخير بشان اعادة قانون انتخابات مجلس النواب الي المحكمة الدستورية , الذي وجهت به المحكمة صفعة مزدوجة لبعض المزايدين من معارضي الدستور الذين اوهموا الراي العام ان رئيس الجمهورية له سلطات فرعونية تزيد علي صلاحيات الرئيس في دستور 1971 , ولبعض المزايدين من مؤيدي الدستور الذين تجاهلوا نصوصه وهم يصدرون قانون انتخابات مجلس النواب.

وقد اكد الحكم ان مصر , بحق , قد انتقلت من نموذج النظام الرئاسي الذي كان سائدا في دستور 1971 الي دستور جديد انشا نظاما مختلطا ' برلماني رئاسي ' وما يتستتبعه ذلك من عدم انفراد لرئيس الجمهورية باتخاذ تلك القرارات و الا عُد القرار مخالفا لاحكام الدستور ' تحديدا المادة 141 ' . ثم اكدت المحكمة انه لا بد من العودة الي المحكمة الدستورية العليا لكي تقول بنفسها ان كان القانون بعد التعديل قد التزم مقتضي قرارها السابق ام لا . في تجسيد مباشر لمعني الفصل بين السلطات و التوازن في ما بينها.

والسؤال الاول : هل من كانوا يدعون علي الدستور انه يعطي صلاحيات فرعونية للرئيس جهلاء بما في الدستور ام انها فقط النزعة التقليدية عند البعض في تشويه كل شيء لم يشاركوا فيه؟

والسؤال الثاني : هل من شاركوا في كتابة الدستور ووافقوا عليه لم يكونوا علي علم بحتمية العودة الي المحكمة الدستورية قبل اصدار الرئيس للقانون ام هي فقط عدم الرغبة في اعطاء المحكمة الدستورية حقها الاصيل وفقا للدستور؟ ولماذا لم يحصل القانون علي موافقة مجلس الوزراء اعمالا لنص المادة المذكورة؟

المثال الآخر لدور المؤسسات العامة يرتبط بما قاله المستشار هشام جنينة , رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات , بان الجهاز بصدد وضع تشريع جديد , سيخضع جماعة الاخوان المسلمين وغيرها من الجماعات التي لم توِّفق اوضاعها القانونية , تحت طائلة القانون ومراقبته , مؤكدا ان القانون سيضع الانشطة التجارية و الاستثمارية للقوات المسلحة تحت المراقبة ايضا , وان الفريق اول عبدالفتاح السيسي وافق علي ذلك , وهي موافقة متوقعة لان هذا هو ما ينص عليه دستور البلاد.

في مقابل هذين المثالين الجيدين لحركة مؤسسات الدولة كي تضطلع بمسئولياتها , ياتي لنا من يطالب بتشكيل لجان شعبية للامن مغامرا بمستقبل الوطن. وعموما انا علي يقين انه لو صدر قرار من ' الرئاسة ' او ' الداخلية ' بتشكيل مثل هذه القوات فلن يكتب لها الحياة , لان القضاء سيحكم بمخالفتها للمادة 194 من الدستور التي تقول : ' ويحظر علي اي فرد او هيئة او جهة او جماعة انشاء تشكيلات او فرق او تنظيمات عسكرية او شبه عسكرية ' .

يا رب استر علي البلد ممن يغامرون ويقامرون به وعليه.

ليست هناك تعليقات :