هل انتهى تغلغل أمريكا في مصر ؟ أحمد منصور



الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الامريكي جون كيري للقاهرة اكدت حجم التغلغل الامريكي في السياسة الداخلية و الخارجية المصرية الذي بدا في عهد السادات واستشري في عهد مبارك , و الذي من الصعب اقتلاعه لان الذين تم زرعهم في كل مؤسسات الدولة ممن يعملون لصالح الولايات المتحدة وليس لصالح مصر كانوا اكثر من الخيال , ولم يكن مبارك ومن حوله الا القمة الظاهرة من جبل الجليد , فحجم اللقاءات التي عقدها كيري مع معظم الاطراف المصرية سواء الرسمية او غير الرسمية , وحجم التصريحات التي ادلي بها و التي وصلت الي حد التدخل في شكل اجراء الانتخابات ووجود اطراف كثيرة لم تخفِ ولاءها وحرصها علي ان تستنجد بكيري تُظهر هذا التراكم الذي عملت الولايات علي احداثه في كل مؤسسات الدولة , وهي الآن تجني ثمار ما جري في عهد مبارك.

اذكر في هذا الاطار اني في اعقاب قيام الثورة المصرية وفي الاسبوع الثاني من تنحي مبارك التقيت مع احدي الشخصيات المصرية التي درست في الولايات المتحدة وتحتفظ بعلاقات جيدة مع اطر عديدة , وتناولنا الغداء معا وتحدثنا في شان الثورة ومستقبلها واحتمالات نجاحها واخفاقها , و التحديات التي تواجهها , وكان مما حدثني به انه فوجئ ببعض الشخصيات الامريكية التي لم يتواصل معها من مدة من اساتذة جامعات وخبراء في مجالات متعددة يعملون , حسب علمه , مع الادارة الامريكية من خلال مجالات تخصصاتهم , يتصلون به من القاهرة ويطلبون لقاءه , وبعدما التقي ببعضهم ابلغوه انهم يقيمون في بعض الفنادق التي اكتشف انها من الفنادق البسيطة التي تقع في محيط ميدان التحرير وقلب القاهرة رغم ان وضعهم الطبيعي ان يكونوا في فنادق الخمس نجوم , وقد ابلغه بعضهم ان الادارة الامريكية فوجئت بقيام الثورة المصرية ولم يجدوا بدا من التخلي عن مبارك لكنهم قرروا اعادة السيطرة علي المشهد بسرعة فائقة فارسلوا عشرات من الخبراء الذين يعملون تحت ستار انهم اساتذة جامعات او خبراء في مجالات مختلفة من اجل قراءة المشهد و العمل علي تحريكه بشكل لا يضر بالمصالح الامريكية , وقد اقام هؤلاء في فنادق بسيطة ليسمعوا نبض الناس ويكونوا قريبين منهم ويستطيعوا تشكيل رؤية واقعية عما ينبغي للولايات المتحدة ان تقوم به من اجل استعادة سيطرتها علي المشهد المصري , واعتقد ان الولايات المتحدة من خلال الجهد الذي بذلته خلال العامين الماضيين نجحت الي حد كبير في استعادة سيطرتها علي المشهد وادارته في ظل الضعف المزري للحكومة المصرية وعدم وجود رؤية لديها او لدي القائمين عليها , وقد ظهر حجم التغلغل الامريكي واستعادة السيطرة علي المشهد من خلال الزيارات المتعددة الاخيرة وعدد المسئولين الامريكيين الذين توافدوا علي مصر لاسيما الذين لم يُعلن عنهم و الذين يتولون مسئوليات كبيرة من خلال مناصب ظاهرها انها غير مؤثرة , وكذلك التحركات التي تقوم بها السفيرة الامريكية , حيث لا تكف عن الزيارات ودعوات الغداء و العشاء لكل طبقات المجتمع المصري , وقد ظهر هذا الجهد الكبير من خلال حالة عدم الاستقرار التي تعيشها مصر , لان مصر لن تستقر الا بعد ان ترتب الولايات المتحدة اوراقها مع الحكام الجدد لمصر حينها سوف تنتهي التظاهرات وتختفي الاحتجاجات وتصبح الاعتراضات السياسية تدور في اطار المعقول و السياسي بدلا من الاداء الصبياني و المتهافت للمعارضة الذي نشهده الآن.

ان الولايات المتحدة تعاني دون شك في اوضاعها السياسية و الاقتصادية و العسكرية , لكن حجم النفوذ الامريكي في العالم ما زال كبيرا وستكون منطقة الشرق الاوسط هي آخر المناطق التي يمكن للولايات المتحدة ان تتخلي عن مصالحها فيها , لسببين رئيسيين . الاول هو اسرائيل التي تُعتبر امتدادا طبيعيا سياسيا واقتصاديا وعسكريا للولايات المتحدة , و السبب الثاني هو النفط الذي ما زالت الولايات المتحدة تعتمد عليه كمصدر رئيسي للطاقة , وما دامت هذه المنطقة هي الاغني في العالم فلن تتخلي الولايات المتحدة عن نفوذها فيها بسهولة.

الحقيقة التي يجب ان ندركها من خلال الاحداث الجارية هي ان النفوذ الامريكي في مصر لم ينته بقيام الثورة ولا بانتخاب الرئيس ولن ينتهي بسهولة الا بعد ان تملك مصر المقومات و الادوات التي تمكّنها من ذلك , حينها تستطيع مصر ان تستعيد قرارها وسيادتها الكاملة عليه.

ليست هناك تعليقات :