مرة اخري , دعنا من المواقف التي تداخلت وتشابكت وتعقدت -- وبغض النظر عن التصريحات المتعجلة وتلك المتباطئة , فاني اريد ان الفت نظرك الي جانب ايجابي للانتخابات , واعني اي انتخابات يتنافس فيها مجموعة اشخاص علي موقع او منصب او مسئولية ,
عادة ما يكون هناك من المرشحين اكثر من عشرة اضعاف العدد المطلوب انتخابه , وهو ما يؤدي _بالضرورة_ الي حدة التنافس , و التنافس في حد ذاته شيء محمود , وهو وسيلة فعالة ومضمونة لارتقاء البشر وارتفاع مستوي اداء كل منهم , سعيا لاثبات انه الاجدر بالاختيار المطروح علي ناخب يدلي بصوته بحرية وسرية تامتين.
خلال الانتخابات ترتكب تجاوزات اخلاقية تصل احيانا الي حد الجرائم , وهو ما يدعو الشرفاء جميعا الي التعفف عنها و التمسك بالقيم و المبادئ التي لا تخفي علي احد , ومع ذلك يتركها الكثيرون.
هذا عن السلبيات , اما الايجابيات او الفوائد التي اسعي لالقاء الضوء عليها , فهي تبدا بما ينفق المرشحون من اموال تؤدي الي رواج الاسواق وتنشيطها.
ليس من الصعب اثبات ان عدة مليارات توشك ان تلقي علي ساحة الانتخابات البرلمانية , وانا اتحدث هنا عن الانفاق المشروع فقط , وليس ذلك الانفاق الفاسد القائم علي شراء الاصوات , اقصد شراء العبيد , وقد كتبت مرارا ان من يقبل ان يبيع صوته فقد ارتضي ان يصبح عبدا لبشر , في وقت يستشهد فيه اناس دفاعا عن الكرامة.
اما الانفاق المشروع , فهو عبارة عما يُنفَق علي الحملات الاعلانية . مطبوعات ولافتات ومؤتمرات جماهيرية ومراسلات بريدية ومواقع الكترونية ورسائل قصيرة وجولات ميدانية علي الاقدام , وباستخدام سيارات و ' ميكروباصات ' وتكاتك -- وسائل لا اول لها ولا آخر!
ينشط العمل بالمقاهي وخدمات الفراشة وتنظيم المؤتمرات وتاجير معدات الصوت و الاضاءة -- تفتح فرص عمل لعشرات الآلاف من الشباب للمعاونة في الحملات الانتخابية وتمثيل المرشحين في لجان التصويت , تُبَاع ملايين الوجبات الجاهزة و القمصان وواقيات الراس من حر الشمس -- يضاف الي هذه المليارات بضعة مليارات اخري تنفقها الدولة علي الاجراءات و التامين وعمليات الرصد و المراقبة و الحصر و الفرز , وما يُصرف من مكافآت وبدلات ومولدات احتياطية.
كذلك يحدث رواج اعلاني في الصحف , حيث ترتفع معدلات التوزيع لمعرفة اخبار المرشحين -- اكاد اجزم ان جميع القطاعات تنتعش , بما في ذلك السياحة الداخلية , وخصوصا قطاعات النقل و الاقامة بالفنادق ذات النجوم المحدودة.
هذا عن الفوائد المادية التي اكتسبت اهمية اكبر نظرا للحالة الاقتصادية العصيبة التي تحاصرنا وتلوّح بالاختناق الوشيك لا قدر الله , و التي تجعل من الانتخابات متنفسا لا باس به.
فائدة اخري يجب ان نتمسك بها في الانتخابات _سواء اقيمت غدا او بعد عام_ الا وهي ضرورة ان ننتزع من المرشحين تصريحات محددة عما يسعون لدخول البرلمان من اجله. ولعله ليس متاخرا ان اخاطب اليوم اللجنة العليا للانتخابات لتتولي صياغة استمارة حقيقية للترشح , بدلا من تلك التي استُخدمت في الانتخابات السابقة , وكانت بيانات المرشح المطلوب ذكرها فيها اقل كثيرا من تلك المطلوبة للحصول علي تاشيرة دخول اكثر البلاد مرونة وتساهلا مع زائريها.
آن الاوان لان يذكر المرشح مؤهلاته وخبراته ومصادر دخله كما يذكر انتماءاته السياسية و الفكرية ويوضح رؤيته الاقتصادية و التنموية , ومفاهيمه الثقافية و المجتمعية . يجب ان يرسم المرشح تصورا لاولويات الامة كما يراها , ويحدد مواقفه من العلاقات الخارجية , وغير ذلك مما يمكن ان يُعِينَ المصوِّتَ الشريف علي اتخاذ قراره وتحديد اختياره علي غير طريقة ' حادي بادي ' !
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق