الفوتوشوب في خدمة الحرب العبثية المجنونة وائل قنديل



لا هذه المعارضة بهزلها وهزالها قادرة علي اسقاط النظام , ولا النظام بمستطيع ان يفاجئ المصريين بحزمة من الاجراءات و القرارات تجفف منابع الغضب القائم في بعض المناطق , وتجمع الشعب حول مشروع قومي حقيقي , تتقدم فيه قيم الفعل و العمل علي شهوة الكلام و الصراخ.
اذن هي حرب استنزاف داخلية , لن يكسبها احد وسيخسرها الجميع بالتاكيد , غير ان خسارة المواطن العادي البسيط المطحون هي الافدح , وخسارة الوطن في قيمه واخلاقه ومكونات وجوده الاساسية هي الاعلي.

ان البلاد تستهلك طاقتها وجهدها في عدد لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة من عناوين ثابتة لا تتغير , يشتبك حولها المتحاربون , في هذه الطاحونة العبثية , فمرة يشتعل وطيس الاشتباك حول النائب العام , ثم فجاة يوضع الملف في ادراج ورشة تصنيع الغضب , ليبدا استعمال ملف آخر , مثل وزير الداخلية , فتشتد المطالبات باقالته حتي يخيل اليك ان تغييره هو قضية مصر المحورية , ثم تخفت الاصوات شيئا فشيئا حتي تتلاشي ويخرج ملف آخر , وبالمناسبة هذا السيناريو حدث مع وزير الداخلية السابق احمد جمال الدين الذي كانت اقالته يوما مطلبا ثوريا , وخصوصا بعد الانتهاء من تقرير لجنة تقصي الحقائق عن قتل الثوار , ثم وبقدرة قادر اصبح الاحتجاج علي اقالته عملا ثوريا جدا .

و في موضوع النائب العام ومؤسسة القضاء ستجد العجب العجاب , فهذا القضاء شامخ مستقل صيفا , شائخ و شائه و مسيس شتاء , في نظر بعضهم , كما كان المستشار عبد المجيد محمود عنوانا دائما للغضب علي العبث بقضايا قتل المتظاهرين قبل الاقالة , و رمزا للثورة ' المهندسة وراثيا ' بعد الاقالة .

لقد تعالت صيحات الاعجاب وتمايلت الحناجر طربا حين اقدم احد رؤساء محكمة جنح الازبكية علي اخلاء سبيل متهم , معتبرا ان دعوي اتهامه محالة من نائب عام غير شرعي , فقرر عدم قبولها __ وقتها جري التعامل مع هذا القاضي علي انه بطل شعبي ورمز ثوري , بل ذهب بعضهم الي انه من فرسان معركة استقلال القضاء ٢00٥ رغم انه كان مارا بالمصادفة , ودارت ماكينة التوك شو العملاقة تحلل وتفسر وتشرح في روعة هذا الحكم التاريخي و الدرس الذي لقنه قضاء شامخ للنائب العام ورئيس الجمهورية واعلانه الدستوري.

ومنذ ايام قلائل نسفت محكمة الاستئناف برئاسة المستشار محمد ابراهيم هذه الاسطورة المصنوعة اعلاميا من جذورها , حين الغت حكم قاضي الجنح واصدرت حكما جديدا اكدت فيه حق رئيس الجمهورية في اصدار اعلان دستوري في مرحلة انتقالية , ومن ثم سلامة اجراءات تعيين النائب العام الجديد , وايضا تهافت منطق عدم قبول الدعوي بحجة عدم شرعية تعيينه.

وبالطبع لم يعر احد هذا الحكم التفاتا ولم تتسابق الفضائيات علي تحليله ومناقشته ولم ينشر الا علي استحياء في بعض المواقع.

وهذا يعيدنا الي جوهر الموضوع : نحن نعيش حالة من صناعة الصور واختلاق العناوين لكي تستمر هذه الحرب المجنونة لاقصي مدي , فيتم النفخ في مستصغر الاشياء و القضايا , بينما يتم التعتيم علي ما يستحق __ وهكذا تعيش مصر داخل سيرك يقوم عليه مجموعة من الحواة و المهرجين , يعتمد علي مهارات الابهار و الايهام باحدث صيحة في عالم ' الفوتوشوب ' السياسي.

ليست هناك تعليقات :