محمد هنيدي من الكوميديا الى زراعة فن الغدر مختار نوح



محمد هنيدي ممثل موهوب يلفت الانظار حتي وهو يؤدي دورا صغيرا في اي فيلم او مسرحية -- . وقد ارتقي من الادوار الثانوية الي ادوار البطولة في سرعة مبررة الا انه حتي الآن لم يصبح ممثلا خّلاقا او صاحب بصمة او مدرسة في فن الكوميديا وهو الامر الذي لم يصل اليه الا القليل في عالم الكوميديا مثل الريحاني او مدبولي او المهندس ومع ذلك تعجبت من ان يقوم هنيدي وهو الممثل الرائع و من ان يضع نفسه في موقع اعلامي يقدم من خلاله برنامج مسابقات ليس له اهداف سوي تدريب الناس علي فن الغدر وكان مصر في حاجة الي تدريب الناس علي الغدر بعد ان انتشر فيها الغدر في كل شيء -- . في العهود و المواثيق و العشرة و الغدر ايضا في الثورة التي انقذتنا من الطاغوت -- . ويبدا البرنامج بسؤال وجواب موجه الي اثنين من الجمهور يتعاونان علي الاجابة ثم وبعد فترة يستقل كل منهما للتشاور مع اقاربه ليحدد ما اذا كان سيستمر مع صديقه الي آخر المرحلة ام ينفرد هو بقرار الغدر بصديقه فيضع يده علي زر الغدر فينفرد هو بالغنيمة بينما يتم حرمان صديقه من كل الاموال -- . وزر الغدر يستطيع الغادر ان يستخدمه في اي وقت اثناء المزاد الذي يعلنه هنيدي وهو يزيد من الرقم المعروض علي الغادر فيبدا بالفين من الجنيهات ثم يزيدها الي اربعة ثم الي عشرة ولسان حال الاستاذ هنيدي يقول : كم تاخذ من الاموال وتغدر بصديقك وتنتزع كل المبلغ لنفسك؟ -- . حتي ولو كان صديقه هو الذي اجاب عن كل الاسئلة -- . فان برنامج هنيدي يدعو الاصدقاء الي الغدر وخيانة بعضهم البعض مع ان اسم البرنامج هو ' الثقة ' .
وهذا البرنامج ضد الاعراف و الاخلاق و المثل العليا ومع ذلك فلم اسمع واحدا من الناس يقول انه ضد الشريعة الاسلامية مع ان البرنامج فعلا ضد الاخلاق المسيحية و الاسلامية و اليهودية وقواعد ارسطو الاخلاقية وقواعد افلاطون الروحية واخلاق ولاد البلد لانه يعلم المواطن المصري كيف يغدر بصديقه وينتزع منه المكافاة لنفسه -- . ومن العجيب يا سادة انك تجد الجمهور يصفق للخائن لانه ضغط علي الزر قبل صديقه وانتزع منه المكافاة واعطي الناس درسا في الخيانة -- .
وقد عانينا جميعا من الخيانة -- . واولهم جيل الثورة الجميل -- . فقد جلس امثالي في بيوتهم وخرج شبابنا يدافعون عن خالد سعيد في مظاهرات ودفعوا فيها الثمن وجلس امثالي في بيوتهم وخرج شبابنا يدافعون عن سيد بلال_ السلفي الملتحي_ و الذي كان يحقق معه مع كثير من التعذيب -- . وجلس امثالنا في بيوتهم وخرج الشباب يدافعون عن حقنا في الحرية وفي الكرامة وفي الحقوق الانسانية -- .وصنع بعضهم حركة ' كفاية ' وقاموا بلصق الملصقات في الشوارع و المحاكم فكنت اراها عند حضوري اي جلسة محكمة ثم اقول في نفسي ' و الله برافو يا ولاد ' ولكني لم الصق معهم -- . وصنع بعضهم العصيان المدني في 6ابريل فامتنعنا عن النزول مساندة لهم ولكننا لم نصنع عصيانا مثلهم -- -- واستحدثوا ثورة النت -- . و الفيس بوك -- . فاعطيناهم عبارات الاعجاب دون ان نشارك فيها.
وهكذا لم نفلح في الاجابة عن اي سؤال مما ساله محمد هنيدي او سالته الثورة ولكننا كنا اسرع في الضغط علي الزر لنحصل علي كل الجوائز و الارباح -- . ولم نترك شيئا لهؤلاء الشباب فانضم حزب ' الفركيكو ' الي حزب ' البولتيكو -- . وتاسست لجنة ' الفهلوة ' لصياغة دستور ابتعد عن الثورة مثلما ابتعد المشرق عن المغرب -- . ويا ليتنا اكتفينا بهذا بل ذهبنا نصف من خرج وقت ان كنا في بيوتنا -- . نصفه بالبلطجة -- . وقلة الادب -- . فما اشبهنا بالبرنامج الذي يقدمه هنيدي , فغيرنا يجيب اما نحن فنجني الثمار لاننا بالغدر وحده ضغطنا علي الزر الاحمر -- .
اذا نحن يا استاذ هنيدي الذين اخترعنا لعبة ' الثقة ' لنعلم من خلالها الخيانة * ونحن اللذين علمنا الناس كيف تسبق الآخرين في الضغط علي الزر فتفوز بكل الاموال رغم ان الآخرين هم الذين فكوا شفرة حسني مبارك واسقطوه -- . ونسينا الكثير ممن مهدوا لهذه الثورة ونسينا الذين صنعوها ونسينا حتي الشهداء -- . نحن يا سيدي وانا مع هؤلاء لاني انتمي لهذا الجيل الفاشل -- . الذي كان يستقبل زوار الفجر وكانهم من الاصدقاء ثم ياخذ حقيبته التي اعدها منذ نهاية فترة الحبس السابقة -- . ويسير في هدوء ليدخل زنزانة ضيقة لا يثور فيها الا لان فترة الفسحة كانت تنقص خمس دقائق -- . فيثور انتصارا لحقوقه -- . في الخمس دقائق طبعا -- -- جيلنا يا سيدي الذي قبل التعذيب بالكهرباء في اماكن حساسة و الضرب بالعصا الغليظة علي بطن القدمين مثل اي تلميذ فاشل لم يستذكر دروسه و التي كانت كلها حول حقوق الانسان -- . ان الشباب الذين خرجوا في 25يناير لينزعوا جسد حسني مبارك واصل نظامه واصل بطشه وجبروته هم الاحق بالقيادة من جديد ولكننا مع ذلك غدرنا بهؤلاء الشباب ووقفنا مرة اخري موقف الصامتين ونحن نشاهد باعيننا ديكتاتورية حسني مبارك تعود من جديد وطلقات رصاص داخلية حسني مبارك وهي تحصد الارواح و الاعلانات الدستورية الفاشية تضربنا من كل مكان من جديد ومجالس النواب الصورية غير المنتخبة تضع لنا القانون ومع ذلك نظل في اسلوب الغدر نضغط علي الزر ونجني الثمار ونغدر حتي بالاسلام الذي اعلناه شعارا واخذنا نوزع اموال المصريين علي اقاربنا ونحن نضعهم في مناصب لا يجيدون ادارتها وكان المال مال ابينا -- . نوزع منه كيف نشاء وغدرنا بحلم العدالة الاجتماعية فانشانا مكاتب العمولة للاستفادة من السلطان وقمنا برفع الاسعار علي الفقراء ولم نفكر في مشاكل البطالة و السكن وانما فكرنا في كيف نسيطر علي هذا البلد ونضغط علي زر الخيانة اكثر واكثر.
يا استاذ هنيدي لو كان الامر بيدك فارجوك ان تقوم بالغاء هذا البرنامج -- . فلسنا في حاجة الي مزيد من دروس الغدر وعدم الوفاء -- . فبهذه المناسبة فانا اهدي الي كل اهل الغدر و الخيانة وعدم الوفاء هذه القصة -- . فيروي ان سلطانا مغرورا قرر ان يلقي بوزيره الوفي الي الكلاب المتوحشة الجائعة التي يمتلكها السلطان بعد ثلاثين عاما من خدمة الوزير لهذا السلطان بكل الوفاء -- . ولكن السلطان كان قد ضاق بنصائح الوزير وانتقاده المستمر لسياسة الحكم السلطاني وما بها من بطش فقرر السلطان ان يقتله بالالقاء الي الكلاب المتوحشة الا ان الوزير طلب ان يكون موعد تنفيذ العقوبة بعد عشرة ايام علي ان يعيش خلالها مع الكلاب ياكل معهم ويشرب معهم فوافق السلطان وفي اليوم المحدد لالقاء الوزير الي الكلاب حتي تنهش لحمه اجتمع الناس في الساحة وخرجت الكلاب من اقفاصها -- . ولكنها ظلت تتمسح في الوزير وتلعق وجهه وتنام علي صدره فتعجب الملك من هذا المنظر الغريب فاستدعي الوزير وساله عن السر فاجابه الوزير وهو يبتسم عشت معك وخدمتك اكثر من ثلاثين عاما فغدرت بي -- -- بينما عشت مع الكلاب عشرة ايام فصانت العهد. فما رايك يا استاذ هنيدي ان نعلم الناس الوفاء فان اختفاء الوفاء في مصر اصبح اسرع من اختفاء الجاز -- --
وعجبي

ليست هناك تعليقات :