بلطجة و عنف و تخريب بلا أي سياسة فهمي هويدي



من يصدق ان الذين يتواجدون علي الارض في مصر الآن هم البلطجية و الالتراس , و الشرطة و الجيش , اما من عداهم فهم اما غائبون واما يتحركون في الفضاء وعلي شاشات التلفزيون.

لقد صرنا نقرا في الصحف كل صباح ان الشرطة فتحت ميدان التحرير الا ان البلطجية ما لبثوا ان اغلقوه , وهو خبر يكاد يتكرر يوميا بما يعطي انطباعات بان القوة الحقيقية المتحكمة في الميدان باتت ممثلة في البلطجية , الذين صار بمقدورهم ان يمنعوا الشرطة من الحفاظ علي الميدان مفتوحا , وحين حدث فذلك فان الفوضي دبت في الشوارع المتفرعة عن الميدان , حتي تحولت الي اسواق شعبية فرضت نفسها علي الارصفة واحتلت اجزاء من كل شارع , بحيث اصبحت حركة السيارات فيها متعذرة الي حد كبير. واتسم ذلك الزحف علي كل شوارع قلب القاهرة بجراة مدهشة , حيث لم نعد نري اثرا لشرطة المرور او المرافق او البلدية , وفي ظل ذلك الغياب لم يجرؤ اصحاب المحال الاصلية التي اصطفت علي الجانبين علي الاعتراض علي امثال تلك الغارات , بل بات كل واحد منهم مهددا هو ومتجره اذا ابدي ضيقا ازاء ما جري , اذ ما اسهل ان يتعرض للاعتداء , وما ايسر ان يعود الي متجره ذات صباح لكي يجده محطما ومنهوبا , ولن يجد الرجل من يحميه او يعيد اليه حقه ويعوضه علي ما فقده , وفي ظل غياب السلطة وجهاز الادارة , فان اصحاب المحال فضلا عن اصحاب العقارات و السكان , لم يعد امامهم سوي الاعتصام بالصمت و القبول بكل التشوهات الحاصلة علي الارض , وهم صاغرون , ولا تخفي علي اي احد الرسالة التي يتلقاها هؤلاء حيث يرون الشرطة وهي تتراجع امام هجوم البلطجية , وحين يطالعون باعينهم صورة سيارة الشرطة وهي تحترق , في حين يهلل البلطجية حفاوة وفرحا لانهم حققوا ذلك ' الانجاز ' .

يوم الاثنين الماضي 4/3 , نشرت جريدة ' الاهرام ' علي صفحتها الاولي خبرا تحت عنوان يقول : ' الداخلية تعلن الانسحاب من ميدان التحرير ' , وتحت العنوان ورد النص التالي : اعلنت وزارة الداخلية سحب جميع خدماتها المرورية من ميدان التحرير , بعد تعرض افراد من هذه الخدمات لهجوم حاملي العصي و الشوم و الاسلحة البيضاء , الذين اغلقوا الميدان بعد ان كانت قوات الامن قد نجحت في فتحه امام السيارات و المارة في كل اتجاه وهو كلام يصدمنا مرتين.

مرة بسبب الواقعة ذاتها , حيث لا يخطر علي بال احد ان يهاجم البلطجية الشرطة مستخدمين العصي و الشوم و الاسلحة البيضاء , فتنسحب الشرطة , في حين يفترض ان تكون الشرطة هي المهاجمة للبلطجية فتلقي القبض عليهم او ترغمهم علي الانسحاب. و المرة الثانية حين يصبح ذلك خبرا عاديا يمر عليه القارئ مرور الكرام , ثم ينتقل الي غيره لكي يتابع اخبار مباريات كرة القدم او اسعار الخضراوات و برامج التليفزيون.

الخبر اعلاه تضمن فقرات اخري صادمة تقول انه قبل ايام معدودة من النطق بالحكم في مذبحة مباراة الاهلي و المصري ' التي قتل فيها اكثر من 70 شخصا من مشجعي الاهلي ' حاصر مئات من ' التراس ' الاهلي مقر البنك المركزي في ' وجبة ' سابقة حاصروا البورصة ودار القضاء العالي ومجمع التحرير , وقطعوا طريق المطار , مما ادي الي تاخر مغادرة وزير الخارجية الامريكي جون كيري للقاهرة بعد انتهاء زيارته لمصر , ثمة فقرة اخري تحدثت عن ' يوم دام ' في بورسعيد , حيث قامت مجموعة من المتظاهرين و التراس المصري باقتحام مبني مجمع المحاكم واستمروا في محاولة اقتحام مبني مديرية الامن , مما ادي الي سقوط عشرات المصابين واحتراق عدة سيارات بينها واحدة للامن المركزي. وقد اعرب هولاء عن احتجاجهم ازاء ترحيل المتهمين في قضية مذبحة الاستاد من سجن بورسعيد الي سجن آخر.

فيما سبق وفي المنصورة و الاسماعيلية كان طرفا الحضور هما البلطجية و الالتراس من ناحية وليس امامهم سوي الشرطة و الجيش من ناحية ثانية. وظل الغياب من نصيب السياسة , ممثلة في اهل السلطة او المعارضة , حيث بدا واضحا ان الاولين صامتون اما الاخيرون فقد كانوا محتفين وشامتين , علي الاقل فذلك ما عبرت عنه الصحف و غيرها من المنابر الاعلامية المعبرة عنهم , اذا صح ذلك فهو يعني ان الدعوة الي عودة الجيش تصبح اقرب الي الوقفة السياسية العبثية , في حين عودة السياسة هي المطلب الحقيقي الذي ينبغي ان يلتف حوله الجميع , سواء كانوا في السلطة او المعارضة .

ليست هناك تعليقات :