للحق فان اتجاهات محمد مرسي الخارجية لم يفطن اليها عمرو موسي بخبراته الكبيرة طيلة عقد من الزمان قضاه علي راس الدبلوماسية المصرية. علي العكس امعن موسي في تجريف علاقات مصر الافريقية وهي قارتنا الام حتي كادت ان تقطع عنا ماء النيل الخالد , ولم يُقم شعرة مع المحيط الاسلامي و الاسيوي , وفاته في حينه الانتباه لاهمية ان يولي نظره ناحية آسيا الوسطي فسبقتنا اسرائيل وايران الي هناك , وقد رايت بعيني في التسعينيات مشروعات زراعية اسرائيلية ضخمة في سمرقند وهي منطقة تابعة لاوزبكستان , واخري ثقافية واقتصادية وصناعية ايرانية في قزاقستان وطاجيكستان , عدا علاقاتها التاريخية و الدينية و الثقافية بجمهورية اذربيجان , وكل تلك الجمهوريات السابقة كانت تنضوي تحت الاتحاد السوفياتي قبل تفككه وقد زرتها كلها في ذلك الوقت , وتجولت بين مزارعها الواسعة ومصانعها التي يمكنها ان تقدم بدائل رخيصة عن وارداتنا من الاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة.
لكننا جلسنا في الحلقة العربية الضيقة التي لم تر في تلك البلدان سوي الفتيات الروسيات و الاوكرانيات الشقراوات , فكانت هذه وارداتنا للاسف. جئن براقصات يقدمن عروض الرقص الشرقي في كباريهات شارع الهرم و الفنادق و الاندية الليلية. وحتي الصين العملاقة صناعيا لم نر فيها سوي فوانيس رمضان التي كنا نصنعها بانفسنا , وعندما تطور تفكيرنا عنها قليلا استوردنا سجادات الصلاة!
مرسي ذهب سلفا الي الصين وهي الامبراطورية القادمة بسرعة لقيادة العالم صناعيا واقتصاديا , وتهدد صناعاتها حاليا الولايات المتحدة و الغرب. ثم فاجانا في عز الازمات الامنية المتلاحقة بفعل ترصد المعارضة وغطائها السياسي للعنف , بالتوجه الي اسلام آباد و الهند , في زيارتين هما الاولي من نوعهما منذ الستينيات.
احقاقا للحق فقد كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر سباقا في الاتجاه الي تلك الدول وغيرها ممن اخرجته من ازمات كبري عندما حاصرته الولايات المتحدة متحالفة مع انجلترا وفرنسا واوقفت تسليح جيشنا , فلا احد ينسي تشيكوسلوفاكيا وصفقة السلاح التشيكي _ انقسمت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو الي تشيكيا وسلوفاكيا _ ولا تمح من الذاكرة يوغسلافيا و العلاقة الحميمة التي ربطتها وزعيمها جوزيف بروز تيتو بمصر وعبد الناصر , وقد انقسمت حاليا الي صربيا , و البوسنة و الهرسك , وكرواتيا , ومقدونيا , وكوسوفو.
تيتو مع الزعيم الهندي الاشهر نهرو وعبد الناصر كان الثلاثي المحرك لدول عدم الانحياز او دول الحياد الايجابي التي عبرت في الاساس عن رغبة في التنمية و الاستقلال الحقيقي عن الدولتين العظميين وقتها , الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي , و التركيز علي القضايا الاقتصادية.
تجربة الهند بقيادة نهرو جديرة بالتعلم , فقد وحد مجموعة كبيرة من الامم مختلفة اللغات و العقائد ومتنوعة الثقافات الي دولة واحدة عصرية ديمقراطية ليبرالية متقدمة زراعيا وصناعيا.
وقد ظلت مصر علي علاقة قوية بها , الي ان بددها السادات باتجاهه الكلي ناحية واشنطن و العواصم الغربية. كان ابسط شخص امي في قري مصر يعرف عز المعرفة انديرا غاندي ابرز رؤساء حكومات الهند , وكان يضرب بها المثل للشخصيات القوية من النساء المصريات , حتي الزوج الريفي كان يقول لزوجته بسخرية اذا احس منها اعتزازا وشموخا ' كانك انديرا غاندي ' !
باكستان دولة اسلامية تشكل حلقة مهمة في محيطنا الاسلامي , لديها مشاكلها الكثيرة ولكنها مع ذلك بزغت في مجال الصناعة العسكرية. لا اريد هنا ان اربط ذلك بوجود وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي ضمن الوفد المرافق لمرسي , فالهند ايضا متقدمة في الصناعات العسكرية و الثقيلة , لكنها تحوز واحدا من اكبر اودية السيلكون في العالم وارخصها تكلفة علي الاطلاق ويقع في مدينة ' بنجالور ' التي تسمي ايضا ' جاردن سيتي ' , التي يوجد فيها عشرات الآلاف المهندسين المتخصصين في مجال تقنية المعلومات.
وتقدمت الهند تقدما مبهرا في مجالات الكمبيوتر و المنتجات الرقمية و البرمجيات و الفضاء و الاتصالات ولديها مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية و المحاصيل المتنوعة التي تقل تكلفتها عن مثيلتها في دول الغرب , فالعنصر البشري هناك رخيص جدا , وهو العنصر الذي شق الطرق وبني الابراج و المولات التجارية الفارهة في دول خليجية وحولها الي اجزاء من اوروبا.
اغلبنا لا يعرف عن الهند سوي الشاي , ربما لان الذاكرة تحفظ شاي ' البنت ' الهندي الرخيص الذي كان آباؤنا واجدادنا يصرفونه شهريا علي بطاقة التموين في عهد عبد الناصر وجزء من عهد السادات.
اما الرحلة الثالثة فقد كانت سابقة لرحلتي مرسي , وهي التي قام بها رئيس الوزراء هشام قنديل الي جوبا عاصمة جمهورية جنوب السودان. كان مؤلما ان تتوجه الدول البعيدة الي الاستثمار و المشاركة في دولة شقيقة معنا في حوض النيل , فيما نحن في عهد مبارك مغيبون عن محيطنا القريب.
انها رحلات العودة الي الجذور في علاقاتنا الخارجية.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق