حقق التراخي قدرا من احلامنا , ولكنه ادي ايضا الي تراجع شديد في معدلات الامان الشخصي للمواطن المصري . اصبحنا نسمع بكثرة عن ' التثبيت ' , اي الاستيقاف بالاكراه وسرقة الحقائب و المحافظ و الاموال واجهزة المحمول , وبلغت الوقاحة حد التجريد من الملابس لسرقتها وتعطيل المعتدَي عليه عن الابلاغ.
دخل الخطف قاموسنا الاجرامي , وتدرجت الفدية من بضعة آلاف حتي وصلت الي الملايين! كل انواع السيارات تُسرق , وكل الاماكن تُقتحم -- لم تعد مهارة اشعال الحرائق حكرا علي من ينتقم من ظالمه بحرق محصوله , او من صاحب المصنع القديم الذي يحرقه لصرف تعويض التامين , او غرفة ورق الاجابة بعد امتحان عسير --
تاملت هذا كله , فوجدت قاسما مشتركا هاما , قد يعين علي مواجهة الجريمة التي ننام ونستيقظ عليها -- كل جرائم هذا العصر جماعية تنبع في الاساس من الشعور بالظلم او الجور او التهميش واهدار الحقوق -- في هذا المناخ تنمو بذور الجريمة بسهولة , من جرائم ' آخذ حقي بيدي ' وحتي جرائم ' عليَّ وعلي اعدائي ' .
دعونا ننتقل الآن من التشخيص الي العلاج , ولتكن البداية المنطقية للعلاج بازالة اسباب الشعور بالظلم , وهي مسالة معقدة لو اردنا , وبسيطة ان كنا نبغي جني بعض الثمار العاجلة.
اري ان مواجهة الجرائم الجماعية لن تنجح الا بعقوبات جماعية , واعني بذلك سد ثغرات التهرب من المسئولية و الاكتفاء بتحميلها علي مُصدِر الاوامر.
واليكم مثالا سهلاَ : عندما خرج الشباب في مظاهرات سلمية تنادي بالعيش و الحرية و العدالة الاجتماعية , تعرضوا لهجمات من قُوي البطش , وفُتحت تحقيقات يعلم الله وحده مدي جديتها , حيث لم يكن الهدف منها مفهوما : اهي بحث عن الجناة؟ ام عن صاحب القرار؟ ام عن مدي مراعاة الاجهزة الامنية لتطبيق القانون المنظم لعملها؟ ام مجرد امتصاص لمشاعر الثائرين من المعتدَي عليهم و الملتفين حولهم من السياسيين و الحقوقيين و المواطنين الشرفاء ؟
ان العدوان علي المتظاهرين واصحاب الراي لا يقع الا بشكل جماعي , فالوزير لا ينزل بنفسه لتنفيذ خطته الامنية .
غنيٌ عن الذكر اننا جميعا نطالب بتطبيق القانون باعلي درجات الشفافية , فلا يختفي احد في الظلام , او يتعرض لسحل او ايذاء نفسي او بدني -- ويعامل بكرامة حتي يُفرَج عنه او يصدر ضده حكم قضائيّ , يُنفَّذ عليه طبقا للقوانين المنظمة لتنفيذ الاحكام .
ادعو الي صياغة قانونية تضمن تحميل الجميع المسئولية : من الوزير حتي اصغر عضو في فريق التنفيذ , ولا يُبَرّا الا من يمتنع عن المشاركة ويبادر فورا بالابلاغ عن مخالفة رئيسه او احد زملائه للقانون .
يجب ان يضمن التعديل القانوني حماية كاملة لمن ينتصر للقانون , ويلتزم بالشرعية -- ولتذهب الطاعة العمياء الي الجحيم , فكثير من الاوامر الملوثة نفذتها ايادٍ تمني اصحابها ان تُشَلّ قبل الانصياع لها .
اعلم ان البعض سينتقد هذا الراي علي اساس ان معظم المنفذين الذين يتلقون الاوامر قليلو الحظ من الثقافة و الالمام بالقانون!! اوافقهم , واعتبرها فرصة جيدة لاعداد برامج علمية تمحو الامية القانونية لكل مشارك في اي عمل امني ليدرك ان القانون لا يحمي غير الملمين به .
اكتب هذا المقال بوحي من الآية الكريمة : ' وتعاونوا علي البر و التقوي ولا تعاونوا علي الاثم و العدوان ' .
طريق طويل يبدا بالا تكتفي بان تقول : لا !
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق