لا نعرف من ذا الذي اوصل الاطفال اياهم الي هذا المكان المرتفع البعيد عن وسط المدينة , ولماذا التحرش بمقر له انصار , ويستطيع الدفع بهم بالمئات في اي لحظة -- ثم لماذا توفر المعارضة الغطاء السياسي و الاعلامي له -- هل صار رماة الحجارة من اطفال الشوارع ثوارا علي النحو الذي يتدحرج ككرة الثلج بين شوارع مصر ومناطقها؟!
اذا كانت وزارة الداخلية تمتعت بالصبر الطويل في الدفاع عن مقرها في مواجهة الرماة , وكذلك الحرس الجمهوري الكامن في محيط قصر الاتحادية , فلانهما مؤسستان رسميتان يقيسان ردود فعلهما بالراي العام المحلي و العالمي.
من سوء تقدير الظن ان انصار المقرات سواء كان مقر ارشاد جماعة الاخوان المسلمين في المقطم او مقر حزب الوفد او المؤتمر او النور او الدستور او البناء و التنمية او الراية او غيرهم , سيقفون متفرجين مغلولي الايدي , فيما احمد ابو دومة وزملاؤه وزميلاته وغيرهم يستفزونهم في عقر مكانهم ويرسمون علي حوائطه سبابا وشتائم تغري علي اقتحامه واحراقه , كما حصل للمقر ذاته سابقا , وحصل يوم 9 مارس لنادي ضباط الشرطة ومقر اتحاد كرة القدم!
لا مبرر للتحرش بمقر جماعة في مكان بعيد , الا اذا كان المخططون يريدون جر انصارها للحرب الاهلية التي يحذرون هم انفسهم منها ويزعمون انهم يحررون توكيلات للجيش لمنعها.
ما يتهم به مكتب الارشاد بانه يدير الحكم مع الرئيس مرسي او فوقه , يظل حتي هذه اللحظة مرسلا لم نعثر علي وثيقة واحدة تدعمه , اي انه يقع في خانة ' الظن ' او ' التوقع ' او ' الاحساس ' -- لا شيء في الواقع يقول ذلك سوي انها محاولات للايقاع بمرسي وتعطيله وافشاله واغراق ادارته للبلاد في وحل لا يجف.
مطلوب من مرسي اجراء تحليل طبي يثبت خلو دمائه من ' فيروس ' مكتب الارشاد , وحتي لو كان مثل هذا التحليل متاحا , فلن يستطيع اقناع المعارضة بان النتيجة سلبية.
فشلت كل حوادث الشوارع السابقة في اسقاطه , كما فشلت في اسقاط المجلس العسكري , ففطنوا الي حكاية تحرير التوكيلات للفريق اول السيسي , لكنها سرعان ما تبخرت.
جاءت فرصة عمرهم بالحكم الذي صدر باعدام 21 شخصا في قضية مذبحة استاد بورسعيد , فقد اشتعلت المدينة الباسلة وضربها العصيان المدني , وراحوا بآلتهم الاعلامية الجبارة يبثونه في باقي المحافظات متوقعين ان سقوط اول حاكم مدني مصري في تاريخ ارض الكنانة بات علي مسافة امتار قليلة.
المفاجاة ان البركان خمد , فوجهوا انظارهم الي اضراب بعض رجال الشرطة و الامن المركزي , لكن ذلك الرهان سقط بتدخل الجماعة الاسلامية واعلان استعدادها لتشكيل لجان شعبية , وظهر ذلك عمليا بمسيرة استعراضية في اسيوط.
يبدو ان المخططين لجاوا اخيرا الي الخيار الاخطر. جر الاسلاميين وبالتحديد انصار جماعة الاخوان الي حرب شوارع حتي يتاح لهم الصراخ المدوي من رعب الميليشيات الفاشية , فذهبوا الي شارع 9 ليتحرشوا بمقر الجماعة , مع تغطية اعلامية تليفزيونية جاهزة لرصد ردود فعل الشباب الذي يحرس المقر , وهي ردود فعل طبيعية سيحدث مثلها اذا تعرض مقر اي حزب سياسي او غيره لمتظاهرين متمترسين باطفال الشوارع و البلطجية.
القناة التليفزيونية المحرضة نقلت بثها المباشر من وسط البلد الي المقطم , وراحت تستضيف نشطاء وصحفيين يزعقون باعلي صوتهم سبا في مرسي وسنينه. احدهم شتمه لان النيابة تلاحق ساويرس لسداد الضرائب التي عليه , ولم اجد رابطا بين عنف شارع 9 وبين ساويرس , سوي ان المتكلم يصرخ من خلال قناته -- ثم عرج الي اشياء اخري لا علاقة لها بالموضوع , ولكنها فرصة لافراغ غيرة مهنية من زميليه في الاهرام -- رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير.
الغريب ان كل الناطقين من خلال القناة صبوا جام غضبهم علي قوات الامن المركزي , لانها تحمي المقر وتدافع عنه بالغازات المسيلة للدموع في مواجهة بلطجية يحاولون اقتحامه -- هل المطلوب اخلاء الطريق للتخريب و الحرائق لنري فيما بعد امتدادها لمقرات الاحزاب و الصحف و المحطات التليفزيونية و المنشآت العامة و الخاصة؟! --
هل المطلوب ان نستنسخ خلال ساعات قليلة حريق القاهرة عام 1952؟ النسخة ستكون كارثية واسوا هذه المرة في ظل عاصمة زادت مساحتها اضعافا. في ذلك الزمن احترق في اقل من نصف يوم ما يزيد عن 300 هدف.
اذا استمرت الدعاية السياسية و الصحفية لما يجري في شارع 9 و الغطاء الذي توفره جبهة الانقاذ ومحطاتها التليفزيونية , و الضغط علي قوات الامن بغية الانسحاب واخلاء الطريق , فان نصف القاهرة لن يحتاج حرقه الي 6 ساعات.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق