المناضلة أم نضال رحمة الله عليها



صلاح سلطان ... نحن اليوم امام حالة فريدة في تاريخنا المعاصر انها السيدة مريم محمد يوسف فرحات التي وُلدت سنة 1369ه / 1949 بحي الشجاعية في مخيمات الابطال الفلسطينيين , ولديها من الاخوة عشرة ومن الاخوات خمس , تفوقت دراسيا , ونجحت عائليا في تربية ستة من الابناء واربع من البنات , وكانت ناجحة رائدة في التدريس في مدرسة الزهراء , ورائدة في العمل السياسي في المجلس الفلسطيني الوطني , وترملت بعد وفاة زوجها وعاشت للجهاد وللقتال , وصناعة النساء و الرجال , وخوض المعارك بكل صبر واستبسال .

و قدمت بيدها ثلاثا من اولادها الي الشهادة واحدا بعد الآخر , اولهم نضال الذي كان اول من صنع صاروخا في تاريخ الكفاح الفلسطيني ضد العدو الصهيوني , وقد حدثتني مشافهة في بيتها العامر في غزة , فقالت : صنع ولدي الصاروخ وكنت اتابعه يوما بيوم , واستحثه ان تنتقل المقاومة من الحجر الي السكين ومنه الي البندقية و الصاروخ و الطائرة الحربية , فلما اتم ولدها نضال صناعة اول صاروخ جاءها قبل غيرها مبشرا اياها باكتمال خطته بتيسير الله له ان يصنع الصاروخ الاول في تاريخ الحرب علي الصهاينة صناعة مائة بالمائة في ارض فلسطين المحتلة , فاحتضنته ولم يكن بينهما الا هذا الصاروخ الوليد ' الصاروخ القسامي ' , ثم ذهب به بعد امه اولا الي ابيه في التربية و التضحية و البطولة و الجهاد الشيخ احمد ياسين رحمه الله , واستاذنه ان يطلقه علي الكيان الصهيوني , وكانت المفاجاة من بيت ام نضال تغيرت موازين المعارك و القتال , فمن صاروخ القسام الذي صنع علي يد نضال وام نضال تطور الصاروخ الي 75 كم ليصل الي العمق الصهيوني في 2012م في حرب سميت حجارة من سجين ليصل الي 200م فقط من وزارة الدفاع الصهيونية , و300م من الكنيست الصهيوني , ودخل الصهاينة في تل الربيع ' تل ابيب ' كالجرذان الي جحورهم! , ولم يتوقف نضال عند صناعة الصاروخ الاول بل اصر ان يكمل المشوار ليصنع طائرة بلا طيار لكي تحمل المتفجرات وتهبط منفجرة في المواقع الاستراتيجية في بني صهيون , لكنه قتل بانفجار جزء من طائرة صهيونية كانت قد فخخت له من خلال احد الخونة , واستقبلت ام نضال خبر استشهاد ولدها بالصبر الجميل , و الفرح الجزيل ان اكرم ولدها نضال بالشهادة املا ان يكون في اعلي عليين في الجنة , ودفعت ببقية اولادها الستة الي كتائب القسام والبست بيدها محمد ورواد لبسة الحرب , وحمَّلتهم سلاح الضرب , وشجعتهم بكلمات الايمان , و الصبر و الاقدام , و الاستعداد للقاء الرحمن , و العرس في اعلي الجنان , وذهبا امام ناظريها وهي تعلم انها لن تراهما الا في دار الخلد.
وهاهم بقية اولادها حسام ووسام ومؤمن اسود في الميدان , ورجال يحملون امانة مشروع تحرير الاسري و الاقصي و القدس وفلسطين بكل اخلاص وتجرد ورجولة ومروءة وفتوة وحمية مستمدة من فيض الرحمن , ثم من هذه الامومة الراقية القوية الفتية علي اعداء الله , النقية الندية علي المجاهدين و المرابطين انصار الله , وبناتها الاربع يحملن الرسالة ويؤدين الامانة بكل قوة وبسالة , فاذا دخلت البيت فهو بيت الجهاد و الاستشهاد , بيت تفاجؤك فيه اول ما تري ام نضال رحمها الله تدهش النور الرباني يكسو وجهها , فلا تستطيع ان تطيل النظر اليها حياء وتقديرا واحتراما , ثم تري بسمة رائقة فيها لمسة من الحزن علي احوال امتنا , وفيها نسمة من الامل علي مستقبل جهادنا لنصل الي تحرير كامل التراب الفلسطيني باذن الله.
واشهد الله انني ما وجدت حنانا وحبا وتقديرا بعد وفاة امي مثلما وجدته من امي ام نضال رحمهما الله تعالي , وقد قالت ام دعاء صديقتها الحميمة ما ابكاني واشجاني نقلا علي لسان ام نضال : ' والله لقد دخل عليَّ الكثير , فما وجدت احدا احدِّثه كما احدِّث ' ولدي نضال ' مثل صلاح سلطان ' , وقد نقل اليَّ ولدها حسام مثل هذا مرارا , وقد كانت اول امراة تتصل بي بعد عدد من البرامج الفضائية , شاكرة في ادب جم , مقدرة في حب متدفق , كنت به مغتطبا سعيدا لانه من امي الربانية ام نضال.
ولما كنت في غزة هاشم كان يحلو لي مع دعواتها الكريمة ان اذهب لاتناول السحور عندها في رمضان , لكن لم اكن اذهب جائعا بل متعلما راغبا في ان يمسح الله علي قلبي بدعواتها , وان اشد من عزمي بكلماتها , ولما مرضت في غزة ونقلت الي المستشفي طلبت اولادها من ساحات الرباط لكي يكونوا بجانبي فجاؤوا يخبرونني ان الام في البيت تبكي , فخرجت من المستشفي الي المسجد اولا , ثم ذهبت الي بيتها مباشرة اطمئنها عليّ فلم ار الا عينا باكية مشفقة كانها حقا امي التي ولدتني!.
وكم حزنت ان اتاخر عن جنازتها لكني استرجعت روحها , وقلت لو كانت امي ام نضال حية وسالتها ان اترك لقاء هو لله اولا , ثم لمصر ثانيا , ثم لاستثمار واسترداد الاوقاف المسلوبة ثالثا , في لقاء مع رئيس الوزراء د.هشام قنديل , و العالم الرباني وزير الاوقاف الشيخ د.طلعت عفيفي , و القائد الرباني العالم المهندس د.محمد علي بشر وزير التنمية المحلية وآخرين من الوزراء و الوكلاء , وصبَّرت نفسي تقديما لمصلحة امتي وبلدي وخرجت من مجلس الوزراء مباشرة الي غزة هاشم , ووصلت في العاشرة ليلا , وتوجهت الي ابي العبد اسماعيل هينة دولة رئيس الوزراء لاقدم له العزاء , فوجدته بين آلاف الشباب جاؤوا من كل بلاد العالم في مؤتمر حاشد تحت عنوان : ' دور الشباب بعد الربيع العربي في خدمة القضية الفلسطينية ' وتوجهت مع اخي ابي العبد واخي المجاهد صفوت حجازي الي الاسير المحرر ايمن الشراونة الذي كان قد جاء لتوه منذ خمس دقائق من السجون الصهيونية بعد اضراب عن الطعام 260 يوما لم ياكل طعاما قط , ولم يشرب الا الماء ونزل وزنه 50 كيلو جراما , وحدثنا فقال لقد كان يضع الصهاينة دائما اشهي الطعام امامي ومارسوا كل الضغوط , وصبرت وصابرت واحتسبت , لكن المفاجاة انني عندما انحنيت لاقبَّل يده وراسه حبا وتقديرا , فقام من رِقدته ليقبَل يدي ويعصرها كانه اسد جاء من الميدان , فقلت حقا ان فيها قوما جبارين , وانهم لبني صهيون لغائظون , وايقنت ان ابي في الله الشيخ احمد ياسين وامي في الله ام نضال قد تركوا وراءهم اعظم الرجال واصلب الابطال , وسوف تقرُّ اعينهم بتشريد الصهاينة الانذال مغادرين ارض فلسطين يجرون الاذيال من الخزي و الهزيمة و العار.
وذهبت بعدها الي البيت العامر بيت ام نضال لالقي اولادها يبتسمون للقدر الرباني , وكانهم قد تيقنوا ان امهم لم ترحل , وانما انتقلت من دار الفناء الي دار الخلد , ومن عيش الارض الي جوار الله تعالي استئناسا بقوله عز وجل : ' وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اَمْوَاتا بَلْ اَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ' ' آل عمران : 169 ' , ولا غرو انها كانت في مصر تعالج ثم رات رؤيا كما حدثني ولدها حسام انها رات الشهيد عماد عقل الذي تربي في حضنها وقتل امام بيتها , وسمت حفيدها من نضال عماد عقل , قد جاءها في المنام وقال لها : اريد ان اراك في غزة , فايقنت انها سترحل اليه من بوابة غزة رمز العزة , فاصرَّت ان تعود في اليوم التالي , وهي التي كانت ويشهد الله تقول نثرا وشعرا في حب مصر واهلها وقيادتها الآن.
رحم الله خنساء الماضي تماضر بنت عمرو وخنساء الحاضر ام نضال فرحات , واملنا ان تكون النساء اليوم مثل خنساء الماضي و الحاضر وان يكون الرجال مثل اولادهم عمرة , وعمرو , ومعاوية ويزيد , ونضال , ومحمد , ورواد , وحسام , ووسام , ومؤمن , وكرام الشهداء و المرابطين.
معا علي طريق الجهاد فاما النصر او الاستشهاد.

ليست هناك تعليقات :