يرقصون بخلاعة و يتمرغون تحت بيادة العسكر وائل قنديل



لا مفاجاة علي الاطلاق في ان نفرا من مثقفي نظام مبارك المتساقطين كالذباب في عسل موائده , هم الذين يتمرغون الآن في تراب البيادة , محكمين احزمة الرقص الخليع استعجالا لانقضاض المؤسسة العسكرية علي السلطة , متمرغين متدلهين في تراب البيادة.
هي الوجوه ذاتها التي ارادتها ' جزارة ' للازمة علي طريقة الصراع بين النظام العسكري وجبهة الانقاذ الجزائرية في بداية التسعينيات , ورقصت علي ايقاع العقلية الامنية الحاكمة لنظام مبارك وطربت للدماء النازفة في حرب استئصال شافة الاسلام السياسي في ذلك الوقت -- ها هي تعود الآن لتمارس الرقص علي ايقاع حرب التوكيلات و التفويضات لكي يتولي وزير الدفاع رئاسة مصر , انقلابا علي قيادتها القادمة بانتخاب رئيس مدني لاول مرة في تاريخ البلاد.

ان كثيرا مما تطالعه هذه الايام علي لسان وباقلام عمال تراحيل مقاولة التنوير الزائف في زمن الرئيس المخلوع , يصيبك بالدهشة و العجب و الاسي علي مثقفي ' الميري ' في مصر , ويصدمك اكثر ان بعضهم كان ولايزال وثيق الصلة بمطبخ جنرال المطار الفار , اذ لا يكاد يمر يوم الا وتقرا وتسمع تحريضا سافرا علي صدام وصراع بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة -- سواء باطلاق اكاذيب منسوبة الي مصادر مجهولة دائما عن ضغوط تمارسها رئاسة الجمهورية علي القوات المسلحة للتفريط في امن مصر واستباحة حدودها الشرقية , او باختراع خطط وسيناريوهات وحواديت بلهاء عن تفكيك او تسريح الجيش المصري لصالح الرئيس وجماعته -- او بالنفخ في حكاية التوكيلات لتفويض وزير الدفاع بالقفز علي الحكم.

هو سيناريو ثابت يروج له صانعوه بلا كلل او ملل , وباصرار مجنون علي دفع الامور للصدام الكارثي بين مؤسسات الدولة , غير عابئين بان ذلك يقود الي ابواب جحيم , ان انفتح فلن ينجو منه احد , ولن يبقي هناك اخضر ولا يابس.

ويدهشك في هذه الوضعية من اللعب بالنار حالة الصمت التي تلتزم بها المؤسستان , الرئاسية و العسكرية , وان تحدثتا يكون الحديث تلميحا علي استحياء , في وقت يتطلب اقصي درجات الوضوح و الحسم , وادا لهذه الفتنة المخيفة في مهدها.

وقد طرحت سؤالا مباشرا علي رئيس الجمهورية في اللقاء المنقول علي الهواء مباشرة قبل نحو اسبوعين بشان هذه الضبابية , قائلا ان المصريين يريدون رسالة طمانة واضحة لا لبس فيها بان مصر لا تعيش حالة صراع بين مؤسساتها , فاجاب الرئيس بانه لا يوجد خلاف او صدام -- غير ان ذلك لم يكن كافيا لايقاف لعبة التحريض واستدعاء الجحيم , حيث يمضي هؤلاء في تدريب الاذن الجمعية علي مقولات شديدة الخبث , تنطلق من ان مصر ليست دولة واحدة محكومة بنظام واحد , وانما هناك دولة للرئيس , تقابلها دولة للمؤسسة العسكرية , في محاولة لصناعة استقطاب آخر , في زمن تعيش فيه البلاد فوق بحيرة من الاستقطابات الحادة.

ان الجيش في اي نظام مستقر في العالم هو جيش الدولة , ينظم دوره فيها دستور يحترمه الجميع , غير ان البعض لا يالو جهدا في اختراع وفرض حالة ' دولة الجيش ' , علي نحو يجعل الصمت , او التلميح الخجول , في مواجهة هذه الوضعية نوعا من العبث و الاكتفاء بالفرجة علي الشرر المتطاير.

ليست هناك تعليقات :