ولكن هل نحن مصابون بمرض ' الغل السياسي؟ '
اسال هذا السؤال حين اسمع البعض يوجه انتقادات لخصومهم السياسيين فيها كم كبير من الاكاذيب و المبالغات و التشويه بحماس لا يليق الا بمظلوم صاحب قضية عادلة او بكاره صاحب مرض نفسي شديد.
اتذكر كتابا في علم النفس السياسي يتحدث عن الغل او الكراهية السياسية وما يترتب عليها من خوف مرضي في مجال السياسية. اسم الكتاب المناسبة : Political Paranoia : The Psychopolitics of Hatred
يتحدث مؤلفا هذا الكتاب عن حالات كثيرة من الخوف المرضي و الغل السياسي الذي يقضي علي تماسك المجتمعات , وليس فقط علي نظامها السياسي. وتكون اهم مظاهره العنف اللفظي ثم العنف المادي ثم العنف البدني. و القضية منتشرة في المجتمعات التي دخلت حروبا اهلية او فقدت تماما الثقة الشخصية ' interpersonal trust ' و الثقة المجتمعية ' societal trust ' و الثقة السياسية ' political trust ' .
وهي كلها من اسباب وشروط تقدم المجتمعات. ويكفي النظر الي مجتمع مثل اليابان حيث الثقة الاساسية في النفس و المجتمع و الدولة هي ما يجعلهم يعملون ساعات طوال متبرعين من اجل بلدهم ومجتمعهم بعد ان دمر تسونامي هائل ربع مقدرات الدولة.
في الكتاب المشار اليه كذلك , هناك عشرات الحالات من ' المناضلين الباحثين عن قضية ' وبعد ان يقودوا مجتمعاتهم للخراب وللعنف الاهلي ويموت من يموت ويدمر ما يدمر , يكونون هم انفسهم من يوقعون علي اتفاقات التسوية مع من قتلوهم ودمروهم. وقد يخرج بعضهم معتذرين عن اخطائهم في حق ابرياء راحوا ضحية ولعهم بالصراع مثلما فعل بعض قيادات حركة الخمير الحمر في كمبوديا بعد عشرات السنين من النضال الافتراضي الذي افضي الي تدمير البلاد و العباد بلا عائد حقيقي علي اي طرف. بعض هؤلاء القيادات الافتراضيين يحاكمهم التاريخ محاكمات قاسية لانهم اختاروا البديل الاصعب و الاسوا ولم يقودوا من وثقوا فيهم الي الصالح العام. هم يتحولون الي ابطال مؤقتين ولكن حين يدفع غيرهم ثمن مغامراتهم , ينكشف عنهم الغطاء الزائف.
ولكن تعبير ' الغل السياسي ' يظهر بقوة باعتباره الدافع الذي يجعل بعض هؤلاء ' المناضلين الافتراضيين ' يصبحون قادة جماهيريين من وجهة نظر اتباعهم , ولكن هؤلاء المناضلين الافتراضيين يخلقون مناضلين افتراضيين في الاتجاه المضاد. ويكون هؤلاء واولئك وقود الاحتراب الاهلي الذي ربما يضيع ضحيته من اختاروا الصمت امام عبث العابثين بمستقبلهم.
وعادة ما يكون هذا الغل جزءا من معضلة اكبر منها الاحساس بالدونية او الرغبة في البحث عن الزعامة او ربما رد فعل علي مظالم حقيقية وقعت من الطرف الآخر خلفت آثارا عنيفة في النفس , واحيانا تكون مؤامرة مدفوعة من اطراف خارجية.
ولكن ما الذي يميز المناضل الحقيقي عن المناضل الافتراضي؟
اعتقد ان الفرق هو في النظر الي النضال نفسه : هل هو هدف ام غاية؟ بعبارة اخري , وكما تقول الآية الكريمة : ' كتب عليكم القتال وهو كره لكم ' . الرسول ' صلي الله عليه وسلم ' وصحابته العظام كانوا يتمنون ضمان حرية العبادة للناس بدون قتال , ولكنه كتب عليهم وهم له كارهون. ولو كان الزعماء سعد او عبدالناصر او السادات استطاعوا تحقيق هدف الاستقلال بلا دماء , لفعلوا لانهم زعماء حقيقيون لا يحتاجون لاصطناع النضال.
اما المناضلون الافتراضيون , فلو هناك امكانية لاي حل سلمي لاي مشكلة , فسيرفضونه , لان هذا سيعني انهم سيفقدون فرصة الزعامة الافتراضية مع المناضلين الافتراضيين من بتوع نضال آخر زمن في الاستوديوهات علي راي فؤاد نجم.
اللهم انزع الغل من قلوبنا جميعا ولا تمكن المناضلين الافتراضيين من اشعال الحرب وافساد البر.
قال تعالي : ' كُلَّمَا اَوْقَدُوا نَارا لِلْحَرْبِ اَطْفَاَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاَرْضِ فَسَادا وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ' .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق