بوصلة مصر في قلق و حيرة من أمرها فهمي هويدي
من اخبار هذا الاسبوع ، ان وفدا من الاحزاب السياسية السلفية المصرية سوف يزور واشنطن في اول مبادرة من نوعها ، للالتقاء ببعض مسئولي المراكز البحثية ، فضلا عن اجتماعهم مع مسئولي وزارة الخارجية و البيت الابيض. وحين نشرت جريدة ' الشروق ' الخبر ، كان شيخ الازهر ومعه وفد من كبار العلماء في الرياض. يلبون دعوة من العاهل السعودي. التقوا خلالها كبار المسئولين في المملكة وبعض علمائها. ولست اشك في ان التزامن بين نشر الخبر الاول وبين زيارة وفد الازهر الي السعودية هو مجرد مصادفة ، وانه لا توجد علاقة بين الامرين.
مع ذلك ازعم ان لكل خبر دلالته. فاذا صح الخبر الاول وهو ما ارجحه فهو يعني ان الامريكيين يحاولون فهم ابعاد الحالة السلفية ، منذ وجدوا ان السلفيين فازوا بربع مقاعد مجلس النواب الذي تم حله ، وادركوا انهم يمثلون قوة يتعذر تجاهلها. و الذين حضروا احتفال السفارة الامريكية بالعيد القومي في شهر يوليو الماضي. لاحظوا الحضور الكثيف للسلفيين بين المدعوين ، في حين كان حضور الاخوان محدودا ورمزيا. وحسب معلوماتي ، فان الجهات المختصة في الولايات المتحدة في محاولتها لتحري معالم الحالة الاسلامية في مصر نظمت حلقات دراسية في واشنطن لذلك الغرض ، واستدعوا بعض الناشطين الاسلاميين من الامريكيين ذوي الاصول المصرية لكي يستمعوا الي شهاداتهم وقراءاتهم لاوضاع الجماعات و الاحزاب الاسلامية ' وللعلم : بعد الثورة تشكلت في مصر 8 احزاب سلفية و8 احزاب اخري ذات مرجعية اسلامية ' .
خبر ' الشروق ' يفهم منه ان القيادات السلفية تنتظرها في واشنطن قائمة طويلة من الاسئلة حول الديمقراطية و الاقباط و المراة الامر الذي يعطي انطباعا بان ثمة استجوابا واختبارا لتلك القيادات. لذلك لا اراه مقنعا الكلام الذي نقله الخبر عن لسان الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية ، وتحدث فيه عن ان الزيارة اذا تمت فستكون دعوية وليست سياسية ، واشار فيه الي ان دعوة وجهت لهم من مركزين اسلاميين سلفيين في الولايات المتحدة هما ' المنهال و التوحيد ' . وهو ما يمكن قبوله في حالة واحدة ، هي ان تكون دعوة المركزين السلفيين مجرد غطاء للاختبار و الاستجواب المرتقب.
علامات الاستفهام و التعجب التي تثيرها رحلة القيادات السلفية الي واشنطن. تلاحق زيارة شيخ الازهر وعلمائه الي السعودية. ذلك ان علاقة الازهر بالسلفية السعودية ظلت متوترة طول الوقت. فضلا عن ان الدكتور احمد الطيب رجل صوفي بالاساس ، الامر الذي يضعه علي مسافة ابعد من التيار السلفي ، وبين الطرفين جفوة تاريخية تحولت الي اشتباكات ومعارك سالت فيها دماء غزيرة في بعض الدول الافريقية ' السنغال ونيجيريا مثلا ' . وتلك خلفية تفتح الابواب للتساؤل حول ما وراء دعوة شيخ الازهر وعلمائه لزيارة المملكة في الوقت الراهن ، دون ان تكون هناك مناسبة واضحة تبررها. ولست متاكدا من الربط بين ترتيب تلك الزيارة ، وبين الضجيج الذي اثارته الجماعات السلفية في مصر اعتراضا علي تسيير خط الطيران المباشر بين القاهرة وطهران ، بعد انقطاع دام نحو 34 عاما. وهي الاجواء التي استطحبت نداءات خوفت من ' تشييع ' مصر ودعت صراحة الي استمرار القطيعة مع ايران. ولا ينسي في هذا الصدد ان الازهر كان له موقفه السلبي من ايران اثناء زيارة الرئيس احمدي نجاد ، وهو ما اثنت عليه الدوائر السعودية ورحبت به. واوصلت هذه الرسالة الي مشيخة الازهر باكثر من وسيلة. وكان ذلك واضحا في الكلمة التي القاها وزير الاوقاف السعودي في حفل تكريم شيخ الازهر التي وصف فيها العلماء في البلدين بانهم ' الركن الركين لاهل السنة و الجماعة في العالم اليوم ' . وفي الكلمة ذاتها حذر الوزير من الذين يدعون انهم ' ينصحون او يجمعون او يريدون التقارب ، لكنهم يريدون ان يفرضوا علي الامة واقعا مريرا بعيدا عن المنهج الصحيح ' في تحليل دوافع الزيارة لا نستطيع ان نتجاهل عوامل اخري منها الدور السياسي الذي يحاول الازهر القيام به ، ومنها المسافة التي يحتفظ بها الازهر ازاء الاخوان و الغيوم التي تلوح في افق العلاقة بين الطرفين.
اذا صح خبر توجه القيادات السلفية الي واشنطن ، واذا صح تفسيرنا لدعوة شيخ الازهر ووفد علمائه الي الرياض. ولاحظنا ان فلول النظام السابق تتجه الي دبي ، فسوف يساعدنا ذلك علي رصد بعض الاطراف التي تتحرك في الساحة المصرية من زوايا مختلفة.
واذا وضعت الي جانب هذه الصورة جدول زيارات الرئيس مرسي الي كل من ايران و الصين و الهند وباكستان وروسيا و البرازيل التي سيزورها في السادس من مايو القادم ، فسوف يسلط ذلك مزيدا من الضوء علي طور القلق و الحيرة الذي تمر به الثورة المصرية ، وهي تبحث عن بوصلة تهتدي بها وجهة تطمئن اليها وتستريح.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق