جاء نص حيثيات حكم محكمة استئناف القاهرة كاول نص قضائي يقضي ببطلان الاعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر الماضي من الرئيس محمد مرسي , و تعامل معه كقرار تنفيذي اداري قابل للطعن و الالغاء , و لا يجوز تحصينه بالمادة 236 من الدستور , كما ترتب علي هذا البطلان عدة آثار , اهمها عودة النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود لمنصبه , و بطلان تعيين النائب العام الحالي المستشار طلعت عبد الله .
هذه السابقة فجرت خلافا بين المصادر القضائية المختلفة بالمحكمة الدستورية و مجلس الدولة و القضاء العالي , و ذلك عند سؤالهم عن مدي الزامية هذا الحكم , و اثره علي باقي آثار الاعلان الدستوري , و كذلك عن طريقة الطعن في الحكم , و ما اذا كانت محكمة النقض ستنظر الموضوع نفسه و تصدر فيه حكما نهائيا , ام انها ستتعامل معه كالقضايا الاخري و ستقرر اذا قبلت الطعن اعادته لدائرة اخري بمحكمة الاستئناف .
في البداية اكدت مصادر قضائية رفيعة المستوي بمجلس الدولة ان الحكم تعرض بشكل خاطئ للاعلانات الدستورية الصادرة من رئيس الجمهورية , فحتي بافتراض التسليم ان هذه الاعلانات الصادرة باطلة و منعدمة , فان المادة 236 من الدستور اكسبتها شرعية سياسية , و اصبحت غير قابلة للطعن , حيث ان هذه المادة الغت تلك الاعلانات , وا بقت آثارها صحيحة و نافذة .
و دللت المصادر علي هذه الرؤية بقولها ' انه لا يكفي ان تقول المحكمة في حيثياتها ان الرئيس لم يجر استفتاء علي الاعلان الدستوري , ليصبح هذا الاعلان باطلا , لان احكاما عديدة صدرت من المحكمة الدستورية العليا و مجلس الدولة اعتدت بالاعلانات الصادرة دون استفتاء من مجلس قيادة الثورة و الرئيس جمال عبد الناصر , كما تم الاعتداد بتحصين دستور 1956 المستفتي عليه لقرارات مجلس قيادة الثورة , و اعمال آثارها ' .
و اوضحت المصادر ايضا ان ' الحكم اخطا فيما ذهب اليه بالاستناد الي ما يسمي ' مبادئ فوق دستورية ' لانه لا يوجد شيء في القانون اسمه مبادئ فوق دستورية , و لا يجوز للقاضي مراقبة الدساتير وفقا لهذه المبادئ , بل ان المعاهدات التي وقعت عليها مصر ترتقي فقط لمرتبة القوانين , و لا تعلو الدستور اطلاقا ' .
و انتقلت المصادر ذاتها الي نقطة اخري بالتاكيد ان ' الدستور الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في 25 ديسمبر الماضي ينص ضمنيا في المادة 224 علي رحيل النائب العام السابق عبد المجيد محمود , و بالتالي فاقصي ما يمكن الحكم به حاليا هو : فراغ منصب النائب العام ببطلان تعيين المستشار طلعت عبد الله فقط , و اقصي ما يمكن لعبد المجيد محمود فعله هو اقامة دعوي امام دائرة طلبات رجال القضاء التي صدر منها الحكم الاخير , لتعويضه ادبيا و ماديا عن 34 يوما قضاها بعيدا عن منصبه , بعد اصدار الاعلان الدستوري ' .
و اتفق مع هذه الرؤية جزئيا المستشار عادل فرغلي , الرئيس الاسبق لمحاكم القضاء الاداري , الذي اكد انه ' حتي و ان كانت حيثيات الحكم قد نصت صراحة علي عودة عبد المجيد محمود الي عمله كنائب عام , فان هذا الامر يستحيل تنفيذه , لان القرار محل الطعن هو الخاص بتعيين طلعت عبد الله , و الآثار المترتبة عليه لا يمكن ان تصل لعودة سلفه , لان قرار العزل مستقل تماما عن قرار تعيين طلعت ' .
و انتقد فرغلي الحكم فيما ذهب اليه من ابطال للاعلان الدستوري الصادر من الرئيس محمد مرسي , مؤكدا ان ' ذلك الاعلان صدر بصورة شرعية , و ان المجلس الاعلي للقوات المسلحة اصدر قبله اعلانا في 17 يونيو , نفذه الرئيس مرسي فور انتخابه بحلف اليمين امام المحكمة الدستورية و ' محدش اتكلم ' ثم اصدر الرئيس مرسي نفسه اعلانا بالغاء الاعلان المكمل و ' محدش اتكلم ' , مما يؤكد ان جميع الاعلانات التالية صدرت بصورة صحيحة , و تدخل في نطاق اعمال السيادة , و بالتالي فلا يجوز اعتبار اعلان 21 نوفمبر قرارا اداريا ' .
و عن مدي الزامية تنفيذ الحكم و طريقة نظر الطعن عليه , قال فرغلي انه حتي عام 2006 كان الفصل في طلبات رجال القضاء تتم علي درجة واحدة , لكن القضاة ثاروا و قالوا انه يجب الفصل في المنازعات علي درجتين موضوعيتين , مما يؤكد ان محكمة النقض من حقها اصدار حكم موضوعي في القضية , والاّ تكتفي اذا قبلت الطعن باعادته لدائرة اخري.
و اضاف فرغلي ان هذا الحكم رغم انه صادر من محكمة الاستئناف , الاّ انه غير واجب النفاذ , لانه في حقيقته حكم ابتدائي من الدرجة الاولي , وتطبق عليه قواعد الدعاوي المدنية الاخري .
و علي النقيض , اشاد المستشار محمد حامد الجمل , رئيس مجلس الدولة الاسبق , بالحكم , مؤكدا ان رئيس المحكمة احسن صياغة حيثياته بالغوص داخل حقيقة الاعلانات الدستورية الباطلة التي اصدرها الرئيس محمد مرسي , و قام بتكييفها باعتبارها قرارات ادارية .
و اضاف الجمل انه لا يجوز تبرير البطلان ببطلان آخر , و المادة 236 من الدستور قصدت تماما الابقاء علي عبدالمجيد محمود خارج منصب النائب العام , وشابها انحراف تشريعي دستوري واضح , لا يجوز الالتفات اليه , مما يعني ان تنفيذ الحكم له وجه واحد هو عودة النائب العام السابق , مشددا علي انه حكم واجب النفاذ , وغير قابل للوقف الاّ بصدور حكم نهائي من محكمة النقض.
من جهته , رفض المستشار رفعت السيد , رئيس محكمة استئناف القاهرة الاسبق , التعليق علي حيثيات الحكم باعتبار ان هذا الامر مخالفة صريحة ومؤثمة في قانون العقوبات , لكنه اكد ان ' الصياغة السيئة لقانون السلطة القضائية عام 2006 عند تعرضه لطريقة تقاضي رجال القضاء امام الدائرة 120 طلبات رجال القضاء , ادت الي خلاف حول مدي الزامية نفاذ الحكم , بسبب عدم النص علي هذا الامر صراحة ' .
واضاف السيد ان هناك فريقا قال ان احكام هذه الدائرة واجبة النفاذ لصدورها من محكمة الاستئناف العالي اسوة بباقي الاحكام الصادرة من بقية الدوائر , وهناك من راي انها احكام ابتدائية ولا يتم تنفيذها الاّ بعدما تصبح باتة وتؤيد من محكمة النقض , وزاد من هذا اللبس ان وزارة العدل كانت ترفض تنفيذ الاحكام الصادرة من هذه الدائرة لصالح القضاة في دعاوي البدلات و الرواتب , لحين صدور احكام من النقض فيها .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق