فهمي هويدي يكتب : جنيف 2 و مصير العرب


حين اتفق الامريكيون و الروس علي عقد مؤتمر ' جنيف ' , الشهر القادم لبحث مصير الازمة السورية , عُدَّ ذلك تطورا مهما له دلالات عدة. فمن ناحية اعتبر اتفاق الطرفين علي الفكرة بمثابة رسالة اعلنت ضمنا عن ترجيح كفة الحل السياسي وتراجع احتمالات نجاح الحل العسكري الذي ظل مطروحا خلال العامين الماضيين. من ناحية ثانية فهو يعني ان ايران المتفاهمة مع روسيا واسرائيل المتفاهمة مع الامريكان ستكونان ممثلتين في المؤتمر. في ذات الوقت فانه يعني ايضا تراجع الدور التركي وتاجيل مناقشة المبادرة المصرية وتجميد مهمة اللجنة الوزارية العربية المكلفة ببحث الموضوع. ان شئت فقل ان الدعوة الي المؤتمر بمثابة اعلان عن توقف المساعي المحلية و الاقليمية , ودخول اللاعبين الكبار الي الحلبة بديلا عن مختلف الاطراف الاخري.

علي صعيد آخر فان اسئلة كثيرة اصبحت مثارة حول تمثيل الائتلاف الوطني السوري المعارض في المؤتمر , وكذلك تمثيل نظام الرئيس الاسد , الذي اشارت المعلومات المتاحة الي انه سيحضر المؤتمر ولن يغيب عنه.

ليس معلوما كم من الوقت سوف يستغرق مؤتمر جنيف , علما بان سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي اشار الي انه قد يستمر عدة سنوات بسبب تعقد وتشابك موضوعات بحثه. وبسبب بعد الشقة في المواقف بين المعارضة التي تصر علي استبعاد الرئيس الاسد وبين ممثلي النظام الذين يطالبون ببقائه في منصبه الي نهاية فترة ولايته في العام القادم. لكي تجري الانتخابات بعد ذلك ومن خلالها يحدد الشعب السوري خياره بنفسه. وللدقة فليس ذلك راي ممثلي نظام الاسد وحدهم ولكنه ايضا راي الايرانيين و الروس , اذ يري الايرانيون ان تحالفهم الاستراتيجي مع النظام السوري القائم هو اهم انجاز حققوه في المنطقة خلال الثلاثين سنة الماضية. فضلا عن انه يشكل ركيزة مهمة لنفوذهم في لبنان و العراق , ومن شان سقوط نظام دمشق ان يؤدي الي انهيار حساباتهم الاستراتيجية التي راهنوا عليها منذ قامت الثورة في عام 1979. كذلك فان الروس الذين استوعبوا درس ليبيا بعدما تجاهلهم الغرب بصورة مهينة في اعقاب تاييدهم لسقوط نظام القذافي , ومن ثم اعتبروا ان وجودهم في سوريا وتمسكهم بنظام الاسد هو الرد المناسب علي القوي الغربية الداعية الي اسقاطه و الراغبة في الاستفراد بالمنطقة.

لا تفوتنا في متابعة المشهد ثلاث ملاحظات برزت في الآونة الاخيرة هي :

ان النظام السوري في صموده امام القوي المعارضة استطاع ان يسترد بعض مواقعه في خلال الايام العشرة الاخيرة بعد التعزيزات العسكرية التي تلقاها من روسيا وايران.

ان حزب الله تدخل بكثافة وبصورة معلنة الي جانب نظام الاسد. وكان ذلك واضحا في معركة القصير , وهو ما عبر عنه السيد حسن نصر الله الامين العام للحزب في خطاب متلفز.

ان اسرائيل قامت بغارة كبيرة علي بعض الاهداف العسكرية الحيوية في محيط دمشق , وارادت بذلك ان توجه رسالة الي الجميع خلاصتها انها مفتوحة الاعين علي ما يجري , وانها لن تسمح بتسليم الصواريخ التي تمتلكها سوريا الي حزب الله.

هذه الخلفية اذا صحت فانها لن تكون بعيدة عن عملية التحضير لعقد مؤتمر جنيف , لانها تعني ان هناك سباقا علي تثبيت المواقع وتحديد الادوار علي الارض , الامر الذي يحدد مراكز وموازين القوي السياسية مما لا بد له ان يؤثر علي مضمون الاتفاق الذي يمكن ان يسفر عنه المؤتمر , شانه في ذلك شان اي اتفاق سياسي آخر.

خلاصة الكلام ان الازمة السورية في مؤتمر جنيف , بصدد الدخول في طور آخر , تلعب فيه الدول الكبري الدور الاكبر و الاكثر حسما , ويخرج فيه العرب من دائرة التاثير في مصير الازمة. ولايزال من الممكن ان يثبت العرب حضورهم في ساحة الصراع لو انهم اسهموا في تغيير الموازين علي الارض. وهو ما قد تستطيعه مصر اذا استثمرت ثقلها وقدراتها وتحركت لكي تعزز موقف الجيش الحر وتمكنه من الحفاظ علي مواقعه وصد هجمات النظام. الا ان الحذر الزائد الذي يتسم به الموقف المصري فيما خص الموقف السوري تحول الي قيد يحول دون اسهامها الايجابي في تغيير موازين القوي علي الارض. وهو ما يطلق يد القوي الاخري في تحديد مصير الصراع , من خلال التمدد في الفراغ الذي احدثه غياب مصر , حين آثرت ان تقف في جانب المتفرجين وليس اللاعبين.

وتلك نتيجة لن تؤثر علي مصير سوريا وحدها , ولكنها ستؤثر ايضا علي خرائط المنطقة وموقع العرب منها في المستقبل القريب.

ليست هناك تعليقات :