أعمال البلطجة بين سلطات الدولة ! معتز بالله عبد الفتاح


لا ادعم ما يحدث في مجلس الشوري الآن من نقاشات حول تعديل قانون السلطة القضائية , لاسباب كثيرة . اولا مجلس الشوري ليس بديلا عن مجلس النواب , وانما سلطة التشريع الكاملة المحددة له هي جزء من ترتيب مؤقت لمنع رئيس الجمهورية من الجمع بين السلطتين التشريعية و التنفيذية.

وكانت الفكرة وراءه ان يكون مجلسا مؤقتا لحين انتخاب مجلس النواب الجديد خلال ستين يوما من اقرار الدستور. وبدلا من ان يجمع الرئيس بين السلطتين , او ان ينص الدستور علي عودة مجلس الشعب المنحل , او ان تستمر الجمعية التاسيسية غير المنتخبة مباشرة من الشعب في القيام بهذا الدور . فليكن دور مجلس الشوري القيام بهذا الدور مؤقتا وفي قضايا محددة لحين انتخاب المجلس الجديد.

وبالتالي فان المجلس يتجاوز اختصاصاته المفهومة ضمنا بان ياخذ البلاد في طريق لا اعرف ما هو العائد منه الا المكايدة السياسية مع السلطة القضائية التي ستحتاج الي تعديل قوانينها بالضرورة للمواكبة مع الدستور الجديد , ولكن هذا لا بد ان يتم بطريقة دستورية اصلا. مجلس الشوري ينبغي ان تراجع كل تشريعاته مرة اخري من قبل مجلس النواب الجديد , لا سيما مع ذلك التوسع غير المبرر في سلطاته وصلاحياته. هذا ان لم تقم المحكمة الدستورية العليا باعلان ان القوانين المكملة للدستور ما كان ينبغي ان تصدر في غيبة مجلس النواب اصلا.

اذن نحن نضيع وقت انفسنا , ونتلهي في مكاسب تافهة , ونخوض معارك لا تحل مشاكل المواطنين , ولا توسع لهم افقا اوسع. العيال عيانة ومش بتذاكر واخلاقها في الحضيض , و الام و الاب في نزاع جوهره من يقوم يفتح الباب.

ماذا يقول الدستور في هذا الامر؟

المادة ' 169 ' تقول ان كل جهة او هيئة قضائية تقوم علي شئونها . ويكون لكل منها موازنة مستقلة , ويؤخذ رايها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها . وذلك وفقا لما ينظمه القانون.

وفهمنا ان السيد رئيس الجمهورية الذي هو بحكم الدستور كذلك ' مادة 132 ' رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية ويراعي الحدود بين السلطات , قد دعا الي مؤتمر للعدالة سيحضره بنفسه , وانه سيتبني ما فيه ويقدمه للبرلمان.

ولكن يبدو ان المعاندة و المكايدة و المزايدة اوصلتنا الي ان نادي القضاة وضع شروطا اعتبرتها الرئاسة ' مهينة ' , مثل شروط علي حضور الرئيس وعلي مكان عقد المؤتمر وعلي التزامه بنتائج المؤتمر دون ان يتدخل وان يعرضه علي مجلس النواب وليس علي مجلس الشوري -- وهكذا. وسواء كانت هذه المطالب عادلة ام غير عادلة , لكن واضح ان كل طرف اصبح يتعامل مع الطرف الآخر بمنطق : ' انتم نسيتم نفسكم ولا ايه؟ ' .

ورغما عن ان مونتسكيو , المفكر الفرنسي , هو اول من اصّل لفكرة ' الفصل بين السلطات ' , وظلت العلوم الدستورية و السياسية تناقش اشكال هذا ' الفصل ' وابدعوا مصطلحات مثل ' الفصل المرن و الفصل الجامد ' وتوزيع السلطات و التوازن بين السلطات -- وغيرها , فاننا في مصر الآن نخترع نمطا جديدا اسمه ' البلطجة بين السلطات ' .

كل طرف يمكن ان يزعم انه يمارس سلطاته وفقا للدستور و القانون و العرف المستقر , ولكن كل طرف كذلك يمكن ان يتعسف في ممارسة هذه السلطات. هذه التعسف هو الاختراع المصري الجديد الذي نطالب بتسجيله تحت عنوان ' البلطجة بين السلطات ' .

المحاكم تستطيع ان تحل مجلس الشوري ' هناك قضية منظورة من زمان امام الدستورية ' , وان تقيل النائب العام ' هناك استئناف مقدم لمحكمة النقض ' , وان يمنع انتخابات مجلس النواب القادم ' لانه سيعود الي المحكمة الدستورية مشروع القانون مرة اخري قبل اقراره ' , و ان يشدد العقوبة علي اي قيادي من الاخوان بل و يامر بحل حزب الحرية و العدالة باعتباره حزبا قائما علي اساس ديني , و ان يطالب بمصادرة اموال جماعة الاخوان -- و غيرها كثير .

و الرئيس و معه انصاره يستطيعون ان يغيروا القوانين المنظمة للسلطة القضائية , فيتم عزل القضاة كبار السن بحجة المساواة , رغما عن ان مصر بحاجة الي المزيد من القضاة و ليس العكس , و يستطيع ان يزيل الحصانة عن القضاة بقوة القانون لمحاسبة من اسهم منهم في فساد , و هذه مسالة ستثير الكثير من الضيق .

و لكن اين مصلحة الوطن في كل هذا ؟

لم اعد اثق في ان كثيرين من النخبة الحاكمة او المعارضة يفعلون شيئا لوجه الله و الوطن و الحياة الكريمة للمصريين .

ليست هناك تعليقات :