فهمي هويدي يكتب : الرئيس مرسي الخائن و العميل

ماذا يمكن ان يحدث لو ان الرئيس محمد مرسي قاضي الذي شبهوه بالرئيس السابق حسني مبارك . و طالبهم بتعويض مالي جراء ذلك , معتبرا ان ذلك التشبيه يسيء اليه و يشوه صورته داخل مصر و خارجها ؟
لم يخطر لي السؤال الا امس فقط , حين قرات تقريرا بثته وكالة الاناضول للاخبار , خلاصته ان رئيس الوزراء التركي فعلها , و تقدم بدعوي الي القضاء ضد ابرز زعماء المعارضة كمال قليشدار اوغلو طالبه فيها بتعويض قيمته مليون ليرة ' 450 الف يورو ' لانه شبهه بالرئيس السوري بشار الاسد . و هي القصة التي رويتها قبل ايام , حين اطلق الزعيم التركي كلامه هذا في اجتماع للاشتراكية الدولية في بروكسل , الامر الذي اثار استياء رئيس المجموعة الاشتراكية الديمقراطية بالبرلمان الاوروبي هانز سوبودا , فاضطر الرجل للانسحاب من الاجتماع , و رفض ان يلتقي بعد ذلك بالسيد قليشدار اوغلو ما لم يسحب كلامه او يصوِّبه .
كانت المناسبة التي دعت السياسي التركي المعارض الي اطلاق ذلك التشبيه انه تطرق في كلمة القاها الي حادث التفجير الذي وقع في مدينة الريحانية التركية القريبة من الحدود السورية , مما ادي الي مقتل 51 تركيا ' اتهمت المخابرات السورية بتدبير الحادث ' و هو يعلق علي ما جري قال السيد قليشدار اوغلو ان اردوغان يتحمل مسئولية التفجير و ينبغي ان يشار اليه بحسبانه ' قاتلا ' . و اضاف انه في ذلك لا يختلف كثيرا عن الرئيس بشار الاسد. حيث لا خلاف بينهما سوي في ' النبرة ' فقط. و هو الكلام الذي اغضب اردوغان واعتبره مسيئا الي شخصه ومقامه. لذلك رفع محاموه دعوي التعويض المالي لرد اعتبار رئيس الوزراء وادانة مسلك الزعيم المعارض .
حين وقعت علي هذه التفاصيل قلت ان هذا الذي اغضب اردوغان صار الكلام الدارج و المعتاد في وصف الرئيس مرسي , الذي اصبح تشبيهه بالرئيس السابق امرا مالوفا في وسائل الاعلام. وقد سمعت نقيب المحامين يتحدث عن الرئيس محمد مرسي مستخدما نفس الاوصاف و العبارات التي رددها الزعيم التركي بحق رجب طيب اردوغان. اذ قال عن الرئيس مرسي انه لا يختلف في شيء عن سابقه , فكلاهما مارسا الاستبداد وكلاهما يتحملان المسئولية عن قتل المصريين. ومن يطالع صحف و منابر الاعلام المصري يجد ان اطلاق مثل تلك الاتهامات اصبح يمثل الحد الادني و ابسط عبارات النقد و الغمز التي توجه الي الرئيس مرسي , لان سيل الاتهامات و الانتقادات لم يصبح بلا سقف فحسب , ولكن اللغة المستخدمة ذاتها تجاوزت كل الحدود و الاعراف. فهناك اوصاف وايحاءات جارحة لا استطيع ان اشير اليها الا من بعيد ' مثل القاء كميات من البرسيم امام بيت الرئيس ' . وقد ترددت علي شاشات التليفزيون وفي بعض الكتابات المقولة التي ادعت بان الرئيس ' مجرم هارب من العدالة ' . ونقلت احدي الصحف تعليقا لاحد هواة السياسة الذين برزوا مؤخرا وجه الخطاب فيه الي وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي قائلا : تحرك يا سيسي ولا تنتظر اوامر الخائن العميل وعصابته في مكتب الارشاد! ' جريدة الدستور 21/5 ' و رغم ان صاحبنا لم يشر صراحة الي اسم الرئيس مرسي فان احدا لا يستطيع ان يختلف علي انه المقصود بالكلام , لانه الوحيد في السلطة الذي يستطيع ان يصدر امرا الي وزير الدفاع .
ارجو ان يعتبر السؤال الذي القيته في بداية الكلام افتراضيا , لانني لست ادعو الي تحريض الرئيس مرسي واعوانه لكي يتقدموا كل يوم ببلاغات الي النائب العام ضد السياسيين و الاعلاميين الذين لا يعرفون حدودا للنقد و الاتهام , وانما العكس هو الصحيح حيث اتمني الا يقحم القضاء في الموضوع من الاساس. وبطبيعة الحال فانني لا ادعو الي تحصين الرئيس او اي مسئول في الدولة ضد النقد و المساءة و المراجعة. كما انني لا انكر ان بعض ممارسات الرئاسة واخطائها لم تكن في مستوي التعبير الصحيح عن قيمة الدولة وهيبتها , الامر الذي شجع آخرين علي التطاول و استباحة كرامة الرئيس وغيره من المسئولين .
لكني فقط اقول ان كرامة الرئيس من كرامة الدولة , وان انهيار قدسية الحاكم و الجراة في مواجهته ينبغي الا تترجم الي سلوك يزدريه ويحط من قدره. علما بان النقد النزيه هو الذي يقوم علي الدليل و الحجة دون ان ينزلق الي مدارج البذاءة و التجريح الي حد اطلاق اوصاف الخيانة و العمالة علي رئيس الدولة او علي اي مواطن عادي. لست ادعو الي تاييد الرئيس و التصفيق له , لكنني ادعو الي معارضته بكرامة وشرف. ومن المؤسف ان ذلك اصبح مطلبا صعبا في الاجواء الراهنة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق