عن اللغز الأمني الذي لم يجد له حلا حتى الآن فهمي هويدي


لا يطمئنا ان يكون اطلاق النار علي موكب رئيس الوزراء قد تم علي سبيل الخطا , وان الحادث لم تكن له اهداف سياسية , لان العذر فيما جري اقبح من الذنب. واذ تسرنا نجاة الدكتور هشام قنديل , ويحزننا لا ريب ان يقتل احد المواطنين بسبب النيران الطائشة التي اطلقها الجناة , الا ان جوهر المشكلة يكمن في خروج مجموعة من المواطنين الي الطريق في قلب العاصمة مسلحين بالبنادق و الخرطوش. باعتبارها من عتاد معركة كانوا متجهين اليها او خرجوا لتوهم منها , المشكلة ان السلاح انتشر بين ايدي كثيرين , حتي ان ضابطا كبيرا قال لي انه اصبح مثل علب السجائر في بعض الاوساط , بمعني انه انتشر حتي عدت حيازته امرا عاديا ومالوفا. وبالنسبة لكثيرين فان الواحد منهم اصبح يضع علبة السجائر في جيب و الخرطوش او البندقية في الجانب الآخر. بالتالي فانه لم يعد واردا ما اذا كان المرء يحمل سلاحا ام لا , ولكن السؤال هو ما اذا كان السلاح مرخصا ام لا. ناهيك عن انه في مناطق اخري كالصعيد فان وجود السلاح من لوازم الاسرة ومقتضيات الرجولة , بحيث يعيب المرء ان يكون بيته خلوا من السلاح.

الذين اطلقوا الرصاص علي موكب الدكتور هشام قنديل كانوا مجموعة من العاطلين الذين حملوا سلاحهم معهم بكل جراة , وحين حال الموكب دون انطلاقهم في الشارع , فانهم اخترقوه وامطروه بوابل من الرصاص الذي اصاب السيارة وقتل احد المواطنين وشاء حظهم العاثر ان يكون اشتباكهم مع موكب رئيس الوزراء الامر الذي حول الاشتباك الي خبر تناقلته مختلف وسائل الاعلام , وهو ما سبق ان تكرر مع محافظ البنك المركزي ومع محافظ كفر الشيخ , الامر الذي ترتب عليه استنفار الشرطة علي وجه السرعة وضبط الجناة خلال ساعات قليلة. وهذا الذي حدث مع الثلاثة يتكرر بصفة شبه يومية مع آخرين في القاهرة وفي محافظات الدلتا صعيد مصر , الا ان الاعلام و الشرطة لا تكترث به لان ضحاياه من المواطنين العاديين الذين لا يذكرون الا في صفحات الوفيات ودفعوا لذلك ثمنا.

الحسنة الوحيدة لما جري ان الحادث نبهنا الي ان الانفلات الامني لايزال يعشش في القاهرة ايضا , وان اي فرد يمكن ان يتعرض له ويكون ضحية له , بمن في ذلك رئيس الوزراء شخصيا واذا كان التجاذب بين السياسيين و المثقفين الحاصل في البلد قد صرف الانتباه عن كثير من المشكلات الاساسية التي يعاني منها المجتمع , الا ان ما تعرض له موكب رئيس الوزراء اعاد الي الواجهة امثال تلك المشكلات المسكوت عليها.

لقد شاءت المقادير ان تنشر جريدة الاهرام في ذات اليوم وقع فيه الحادث بعض الاخبار المثيرة التي صورت لنا المدي الذي ذهب اليه الانفلات في مصر بعد الثورة , الذي استصحب معه جراة غير معهودة علي القانون و النظام العام في البلد. من تلك الاخبار ما يلي : ضبط 2700 هارب من تنفيذ الاحكام و460 قطعة سلاح و22 سيارة مسروقة في حملات امنية بالقاهرة و الجيزة مع كل طلعة شمس يقام 300 عقار مخالف وخلال 4 سنوات ' من 2009 الي 2012 ' اقيم 27 الف عقار مماثل في مصر ولذلك اصبح في البلد 450 الف عقار بدون ترخيص عمليات البناء غير المشروع اتت علي 120 الف فدان من الاراضي الزراعية وادت الي تبويرها بالكامل في قرية كفر ابوجمعة ' مركز قليوب بمحافظة القليوبية ' قام الاهالي بقطع الطريق الزراعي بين القاهرة و الاسكندرية بعدما قام مجهولون بخطف طفلة من القرية واشتراط دفع فدية لاطلاقها. وهو ما لجا اليه اهالي قرية سمهود بمحافظة قنا الذين انفجر غضبهم جراء اختفاء احدي بنات القرية فتجمهروا امام محطة سكة جديد ابوتشت , وقاموا بمحاولة لتعطيل قطارات الصعيد.

امثال هذه التفاصيل كثيرة حيث نطالعها كل يوم في صحف الصباح. وما نسمعه من حكايات علي السنة الناس اضعاف ما نقرؤه او نشاهده علي شاشات التليفزيون. وهي تكاد تجمع علي امرين , اولهما ان الانفلات الامني لم يعالج بشكل حاسم رغم مضي اكثر من سنتين علي الثورة , وثانيهما ان ضعف الامن او غيابه رتب نتيجتين , الاولي ان منسوب الجراة علي القانون ارتفع بشكل ملحوظ , حتي بدا ان البعض اصبحوا يتصرفون وكانه لا توجد في البلد سلطة , و الثانية ان الغياب شجع البعض علي ان يتولوا بانفسهم تحصيل الحقوق وانزال العقاب علي مرتكبي الحوادث , وهو ما لاحظناه في سحل الاهالي لبعض اللصوص و البلطجية وتعريضهم للضرب المفضي الي الموت.

وثيقو الصلة بالاجهزة الامنية يعترفون بالقصور ويرجعونه الي اسباب عدة , بعضها يتعلق بالامكانيات البشرية و المادية المتاحة و البعض الآخر يتصل بالبيئة السياسية. وايا كان قدر الوجاهة في تلك الاسباب فانها تعني في نهاية المطاف ان المشكلة الامنية لم تحل , وان ما بذل من جهد طوال السنتين الاخيرتين لم يحقق الهدف المرجو , كاننا لم نحسن التشخيص وبالتالي لم نحسن العلاج. الامر الذي لا حل له سوي ان نغير ' الطبيب ' ونستبدله بآخر , وقد يكون الحل في ان نعرض الحالة علي مجموعة من الاطباء المختصين الذين يحسنون التشخيص ووصف العلاج. اما ان يترك الامر كما هو عليه الآن فان ذلك لن يؤدي الي تدهور الحالة وتراجع قابلية المريض للشفاء , وبالتالي تراجع املنا في الاستقرار الذي يسمح لنا باقامة ابنية النظام الجديد.

ليست هناك تعليقات :