المحاكم غير نظيفة أحمد منصور


استدعيت للشهادة امام محكمة جنايات القاهرة قبل ايام في احدي قضايا الثورة المصرية , وحينما دخلت الي مبني مجمع المحاكم في التجمع الخامس في القاهرة الجديدة وهو الاحدث بين مجمعات المحاكم في القاهرة هالني وصدمني ما رايت من قذارة علي الارض وفي الطرقات , ولم اصدق اني في واحد من احدث مباني المحاكم في مصر , الاوراق واعقاب السجائر و الاتربة و الاوساخ تغطي كل مكان وكان المكان لم يتم تنظيفه منذ ان تم بناؤه , ولا يوجد مكان في بهو المحكمة لكرسي ليجلس عليه الانسان او يستريح حتي ياتي موعد الجلسة التي يترقبها علما بان انتظار دور الجلسات يمتد احيانا لعدة ساعات , ولم يكن هناك سوي قاعة المحكمة التي بها مقاعد للاستراحة حينما دخلتها لم اطق البقاء فيها لان معظم الناس كانوا يدخنون السجائر وتعجبت ان قاعات المحاكم في مصر ليس ممنوعا فيها التدخين علاوة علي الفوضي العارمة و الاصوات العالية و الضوضاء داخل القاعة وكاننا في سوق وليس قاعة محكمة , خرجت وبقيت في البهو فصادفت الدكتور احمد كمال ابوالمجد وهو احد كبار المحامين في مصر يخرج من قاعة اخري وقد ذكرتني رؤيته علي الفور بما كان قد رواه لي في لقاءات سابقة بيني وبينه عما كانت عليه المحاكم في مصر في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي من حيث النظافة و النظام و الدقة وهيبة القضاة وبلاغة المحامين , حيث كان الناس يتوجهون لقاعات المحاكم حتي يشاهدوا المرافعات البليغة للمحامين العظماء و الادارة الراقية للقضاة المميزين , ومن المؤكد ان مباني المحاكم كانت علي المستوي العالمي التي بنيت عليه دار القضاء العالي وسط القاهرة او المحاكم التاريخية العريقة التي احرق بعضها مثل محكمة جنوب القاهرة , وكان الدكتور ابوالمجد قد انهي مرافعته في احدي القضايا ودار بيننا نقاش عن هموم الوطن وهموم القضاء بشكل خاص , وقال لي لقد تحدثت مع القضاة عن ازمة القضاء اكثر مما تحدثت عن القضية التي جئت بشانها , قلت له بالفعل هذا هم يعيش فيه الجميع بعدما تحولت احكام بعض القضاة الي احكام سياسية تعيق مسيرة الثورة وتعرقل اكتمال مشوارها وتحول الامر وكانه حرب بين القضاة و النظام , وقد آلمني ان تكون هذه النقاشات الحادة و العارمة فيما يتعلق بازمة القضاء في مصر دون التطرق لنظافة المحاكم و الاجواء التي يجلس فيها القضاة ليحكموا بين الناس بالعدل , وقد تاكدت ان قذارة المحاكم هي عملية منهجية وشاملة وليست متعلقة بمكان واحد , واذكر اني حينما دخلت دار القضاء العالي عدة مرات مؤخرا في اطار عمل يتعلق بحوار اجريته مع النائب العام المساعد المستشار حسن ياسين و التعرف علي ابعاد ازمة النائب العام وجدت هذا المبني العريق الذي بني قبل ستين عاما تغطيه الاتربة وعدم النظافة داخله وخارجه , واذكر قبل عدة سنوات انني دخلت احدي المحاكم وسط القاهرة فوجدت مستوي النظافة في الحضيض وحينما دخلت مكتب رئيس النيابة وجدته الي حد ما نظيفا , فقلت له : لقد صدمت بسبب القذارة الموجودة في جنبات المبني ولكن مكتبك الي حد ما -- . وقبل ان اكمل قال لي : لقد دهنته وفرشته علي حسابي الخاص , لقد كان امتدادا لتلك المزبلة التي رايتها لكني لم اطق الجلوس فيه , فقمت بفرشه علي حسابي , وكذلك يفعل الزملاء , وقد سالت احد الاصدقاء من المحامين الذين التقيتهم في مجمع محاكم القاهرة الجديدة قائلا له : هل من المعقول ان القضاة و المحامين يقضون حياتهم في العمل في هذه الاماكن غير النظيفة , فقال لي : ان هذا المكان الذي تنتقد نظافته هو من انظف المباني ولو ذهبت الي مجمع محاكم الجلاء لن تجد سلما لتصعد عليه , لقد تآكل السلم , ولن تستطيع التعرف علي لون الارضية من الاوساخ.

قبل الحديث عن سن تقاعد القضاة وما اذا كان ستين عاما او سبعين يجب الحديث عن نظافة المكان الذي يجلس فيه القاضي , و الذي يتقاضي فيه الناس فالمحاكم اذا كانت غير نظيفة هل يمكن ان تمنح من يعمل فيها او يدخلها الراحة النفسية لكي يقضي بين الناس بالعدل ؟ و هل يمكن ان يصل عمره الي سبعين عاما في الاساس اذا كان يجلس في هذه الاماكن غير النظيفة ؟

ليست هناك تعليقات :