سوريا : الاستمرار كارثة و السقوط زلزال يهدد المنطقة فهمي هويدي

اما وقد دخلت الازمة السورية عامها الثالث دون حل , فلا النظام سقط ولا الثورة انتصرت , فهل من سبيل الي حل يضع نهاية لسيناريو الموت و الدمار؟
' 1 '
اخبار الموت و الدمار اصبحت عناوين ثابتة في نشرة اخبار سوريا , احدثها الغارة الاسرائيلية علي ريف دمشق , التي ادت الي قتل ٣٠٠ شخص. وهو ما تم في وقت ظهرت فيه ملامح تمزيق الوطن , وتقسيمه الي دويلات. اذ بدا تنفيذ عمليات تطهير مذهبي للسنة في الساحل السوري غربي البلاد في حين شرعت آلاف العائلات السنية في الهروب من بيوتها في بانياس , بعد وصول اخبار المجازر التي ارتكبتها قوات النظام وموالون له من الطائفة العلوية في حي راس النبع وبلدة البيضا المجاورة. وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان عدد قتلي حي راس النبع في بانياس علي ايدي قوات النظام و الموالين ارتفع الي 62 شخصا في يوم واحد , وقد تم توثيق اسمائهم وصورهم , وبين القتلي 14 طفلا.
في ذات الوقت ادان الائتلاف الوطني السوري عمليات الاعدام الميدانية التي نفذها النظام بحق المدنيين في حي راس النبع , وحذر من تكرار المجازر في قرية بساتين اسلام المجاورة , مشيرا الي ان القتل العشوائي في قري الساحل المرشحة لتكون جزءا من الدولة العلوية. شبيه بعمليات التطهير العرقي التي قامت بها القوات الصربية في البوسنة قبل عقدين.
علي صعيد آخر , رصد الائتلاف الوطني وجود حركة نزوح واسعة باتجاه طرطوس , لجا اليها الاهالي بعدما عاينوا ذبح الاطفال و الشيوخ و النساء علي الهوية المذهبية. وناشد الائتلاف مجلس الامن ان يدين تلك المجازر , بحيث يعتبرها جرائم ابادة جماعية تستوجب اتخاذ اجراءات فورية لايقافها.
من اخبار الازمة السورية ايضا ان السيد حسن نصر الله الامين العام لحزب الله , اعترف في حديث بثه التليفزيون يوم الثلاثاء 30/4 بان عناصر حزب الله عبرت الحدود اللبنانية للاشتراك في الدفاع عن نظام الاسد , وقال ان للنظام السوري اصدقاء لن يسمحوا لاحد باسقاطه عسكريا , ملوحا في ذلك بالدعم العسكري الذي تقدمه ايران و الغطاء السياسي الذي توفره روسيا و الصين للرئيس الاسد. واثناء حديثه كانت مجموعة كبيرة من السوريين الهاربين من جحيم المعارك مشتبكة مع حرس الحدود الاتراك , الذين كانوا يحاولون منعهم من دخول الاراضي التركية في منطقة اكشاكال , الامر الذي ادي الي مقتل احد الجنود الاتراك واصابة 11 بجراح. وقد توازي ذلك مع اعلان وزير الاعلام الاردني ان اعداد المهاجمين السوريين الي بلاده فاقت حدود احتمالها. حتي اصبحت تهدد امنها القومي.
وبعدما اعلن رسميا عن استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد الثوار اعلن في واشنطن ان الازمة دخلت منعطفا جديدا استدعي اعادة النظر في الموقف الامريكي من تسليح المعارضة , ودفعها الي امداد الجيش السوري الحر ببعض الاسلحة الدفاعية التي تمكنه من التصدي لهجمات النظام , وتمكنها من التفوق علي الارض بما يسمح للجيش الحر بالتقدم علي الجماعات السلفية التي اصبحت عنصرا فاعلا في مقاومة النظام , الامر الذي اثار قلق اطراف عدة اقليمية ودولية , خشيت من وصول السلاح الكيماوي الي ايديها.
' 2 '
اعتبرت الامم المتحدة ان الازمة في سوريا احدي اكبر الازمات الانسانية التي واجهتها في تاريخها وحسب تقديرات خبرائها فانه بعد مضي 25 شهرا من الصراع الدموي في سوريا اصبحت الحصيلة كالتالي :
● قتل 70 الف رجل وامراة وطفل , واختفي عدد مماثل لهم داخل سوريا , ولا يعرف ما اذا كانوا قد زج بهم في السجون او تم التخلص منهم بوسيلة او اخري.
● نزح حوالي 7 ملايين شخص من منازلهم التي تهدمت بفعل القصف الجوي و القتال علي الارض , الامر الذي حول الدور الي انقاض لا تصلح للسكني.
● تم تشريد 4.25 مليون شخص داخل البلاد , منهم 1.5 مليون يواجهون انعداما وشيكا للامن الغذائي.
● جري احصاء ثلاثة ملايين ومائة الف طفل اصبحوا يعانون من العوز و الفقر المدقع.
● لجا الي البلدان المجاورة مليون و300 الف سوري ' تتزايد اعدادهم كل يوم ' , وهؤلاء يعيشون في معسكرات لا تتوافر لاغلبها الحدود الدنيا للحياة الطبيعية , نظرا لشدة الضغوط وقصور الامكانيات.
● واجه 400 الف فلسطيني لجاوا الي سوريا مصيرا بائسا , بعدما اضطر اكثرهم الي اللجوء الي الجيران مرة ثانية , واصبح اغلبهم يعيشون في ظروف بائسة ومزرية.
● الي جانب الخسائر البشرية و العمرانية الهائلة فانه لم يسلم من الدمار و التخريب التراث التاريخي النفيس في سوريا , الذي يضم اصولا مصنفة ضمن التراث العالمي , وبالتالي اعتبر ملكا للانسانية جمعاء. وما حدث لمدينة حلب التي دمرت فيها مئذنة الجامع الاموي ودمرت الطرز المعمارية العربية النادرة و النفيسة التي تحفل بها. نموذج لتلك الكارثة الثقافية و الحضارية التي خلفتها الحرب البائسة.
' 3 '
لقد حولت الحرب الاهلية الدائرة سوريا من بلد نعتز به الي بلد ناسي عليه. وكلما رايت في اطراف القاهرة سوريات يتسولن من المارة وشبانا سوريين يجلسون علي الارصفة منكسي الرءوس تملكني شعور بالخزي و الحزن و النقمة. الخزي ازاء ما وصل اليه حال السوريين من هوان لا يستحقونه. و الحزن لاننا لم نستطع ان نقدم لهم العون و المساندة التي توقعوها منا. و النقمة علي النظام الذي اذلهم طوال اكثر من اربعين عاما , ثم حين رفعوا صوت الغضب وقرروا الدفاع عن كرامتهم , فانه لم يتورع عن سحقهم وتدمير حياتهم مستخدما في ذلك اكثر اساليبه فظاظة ووحشية واشد اسلحته فتكا.
في مختلف المناسبات التي شاركت فيها خلال العام الاخير كان السؤال المصري اول ما يوجه الي , ولا اكاد افرغ من الاجابة عليه حتي يباغتني السؤال الثاني حول سوريا. وكان ردي دائما ان استمرار نظام دمشق مستحيل , وان سقوطه مشكلة. ذلك ان ما فعله الرئيس الاسد بشعبه اغرق سوريا في بحر من الدماء و الاشلاء باعد بين الطرفين بحيث اصبح من المستحيل عبوره او تجاوزه , الامر الذي اصبح يحول دون امكانية التصالح او التعايش بين الطرفين مرة اخري -- في الوقت ذاته فان سقوط النظام يفتح الابواب واسعة لمخاطر لا اول لها ولا آخر , الامر الذي قد يؤدي الي اعادة رسم خرائط الشرق الاوسط من جديد. ذلك ان احدا لا يعرف ما اذا كانت سوريا التي نعرفها ستظل هي ذاتها التي ستكون بعد سقوط النظام ام لا. لا اتحدث عن الدمار و الخراب الذي حل بالبلاد فحسب , ولكنني اتحدث عن احتمالات تحول سوريا الي دويلات , يمهد لها التطهير العرقي الحاصل الآن و الذي يستهدف تفريغ الساحل من اهل السنة , ليصبح حكرا علي العلويين. وقد سبق ان اشرت الي المعلومات التي تحدثت عن نقل موجودات البنك المركزي من دمشق الي اللاذقية , التي ترشح عاصمة للعلويين , وعن تجهيز الميناء و المطار بالمدينة لكي يواكب التطور الجديد.
اما اصداء السقوط في الجوار السوري فحدث فيها ولا حرج. ذلك ان الصدي سيكون قويا في لبنان , جراء التغير في موازين القوي المفترض , الذي لن يكون في صالح حزب الله , بعد فقد حليفه وانقطاع الجسر الذي يحمل اليه العتاد و الذخيرة. في الوقت ذاته فليس مستبعدا ان يكون للحدث صداه في الاردن. و المؤكد ان الصدي في العراق سيكون اقوي. واذا كان اهل السنة هناك قد اعلنوا في الانبار تمردهم علي حكم المالكي , فان ذلك التمرد قد يتحول الي انتفاضة وانقلاب في الموازين اذا سقط النظام السوري. الامر الذي يعزز فكرة تقسيم البلد وتفتيته. وحين يضعف موقف حزب الله وينقطع جسر تمويله بالسلاح و الذخيرة فان ذلك سيشجع اسرائيل علي تحقيق املها في توجيه ضربة عسكرية الي ايران. ولن تكون تركيا بعيدة عن التاثر بالحدث , خصوصا اذا علمنا بان العلويين فيها كتلة سكانية يتراوح تعدادها بين 12 و14 مليون نسمة.
اذا صح ذلك فانه يسوغ لنا ان نقول ان استمرار النظام السوري بمثابة كارثة تحل بالبلاد , اما سقوطه فسوف يكون بمثابة زلزال يضرب المنطقة.
' 4 '
محتميا بالاوراق التي يملكها ومراهنا علي المخاوف المثارة جراء سقوطه. ومستثمرا الاجواء السلبية التي شاعت جراء اشتراك المجموعات السلفية في محاربة نظامه , ومتكئا علي الدعم الايراني و الروسي و الصيني , فان النظام السوري استطاع ان يصمد رغم كل ما تلقاه من ضربات طوال الخمسة و العشرين شهرا الماضية. وليس مستبعدا ان يستمر صموده لفترة اطول , غير مبال بالدماء الغزيرة التي تسيل ولا بالخراب الذي يحل بالبلد حينا بعد حين.
ولانه لم ينكسر فذلك يعني مباشرة ان المقاومة لم تنتصر. واحسب ان هذه النتيجة تحققت لان النظام يملك تفوقا جويا كاملا , ولان الجيش الحر لم يتوافر له السلاح النوعي الذي يمكنه من كسر صمود النظام , ولان المخاوف التي اثارها دخول السلفيين الذين اعلن بعضهم ولاءه لتنظيم القاعدة اثر علي حماس الجهات التي تقدم السلاح للمقاتلين , خشية ان يصل ذلك السلاح الي ايدي عناصر القاعدة.
حين ينجح النظام في الصمود ويتعذر علي المقاومة اسقاطه فذلك يعني ان الحل العسكري لم يعد قادرا علي حسم الصراع , ويعني ايضا ان استمرار القتال بصورته الراهنة من شانه ان يرتب نتيجة واحدة هي استمرار مسلسل القتل و الدمار و الخراب. ومن ثم لا يكون هناك بديل عن حل سياسي بين الاطراف المتحاربة.
هذه الخلاصة اذا سلمنا بها فانها ستضعنا امام حلين احدهما امثل و الثاني سيئ. الامثل ان يكثف العرب جهودهم لا لاسقاط نظام دمشق , وانما للتفاهم وطمانة الدول الراعية له ' ايران في المقدمة منها اضافة الي روسيا و الصين ' اضافة الي طمانة الطائفة العلوية الي ان مصالحها ستكون مؤمنة في ظل الوضع المستجد. وحين يتحقق ذلك ترعي الدول العربية حوارا بين المعتدلين من ممثلي النظام وقوي المعارضة و الوطنيين المستقلين لوضع اسس النظام الجديد , اما الحل السيئ الذي قد يكون افضل من اللاحل فيتمثل في عقد اتفاق بين الطوائف السورية يستلهم فكرة مؤتمر ' الطائف ' الذي رعته المملكة العربية السعودية عام ١٩٨٩ لاسدال الستار علي آثار الحرب الاهلية التي شهدتها لبنان طوال ١٥ عاما. وقامت فكرة الاتفاق علي قاعدة المحاصصة واقتسام السلطة بين القوي الرئيسية المتصارعة الموارنة و السنة و الشيعة. و المحاصصة في الحالة السورية تقتضي اقتسام السلطة بين السنة و العلويين و الاكراد و الدروز , كل حسب نسبته.
هناك شرطان للحلين الاول ان يستبعد الرئيس بشار الاسد من المشهد ابتداء , كما حدث مع علي عبدالله صالح في اليمن , الثاني ان يتغير ميزان القوة بين النظام و المعارضة في الداخل , حتي لا يكون الحل علي حساب قوي الثورة. وهذا التغيير في ميزان القوة لن يتم الا اذا حققت المعارضة انجازا عسكريا علي الارض يعزز موقفها ويجعلها تتعامل بندية مع النظام , وهو ما لا سبيل لتحقيقه الا من خلال تعزيز القدرة العسكرية للجيش الحر.
ان انقاذ الشعب السوري ووحدة التراب السوري هو الهدف الذي ينبغي ان يسعي اليه الحل السياسي المنشود. اما استمرار الصراع بصورته الراهنة فان عواقبه الكارثية ستحل بالاثنين , الشعب و الوطن.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق