مش عيب نجيب حكام أجانب لمصر معتز بالله عبد الفتاح


احيانا يواجَه الانسان بمواقف عجيبة , يجد نفسه فيها يقف شبه وحيد ضد طوفان ممن يفكرون علي نحو مختلف ويصلون الي استنتاجات مختلفة , ولا يعرف هل يحكم علي الامور وفقا لما يعلم وتعلم , ام يحكم علي الامور وفقا لما يقوله الاصدقاء الذين لا يشك في صدق نواياهم ولكن يشك في الافتراضات التي بنوا عليها تحليلاتهم.

تعرضت لهذا في اكثر من موقف , وكنت عادة اتمسك بما اظنه صوابا , سائلا الله الاخلاصَ و السداد و القبول , ولاننا مجتمع من المتخبطين , فالتخبط ينتج , لا محالة , اخطاء يقف عندها الانسان بالنقد من اي مصدر كان , ولان التخبط كان سمة المرحلة الانتقالية , بدءا من ادارة المجلس العسكري الذي اضاع فرصة الانتقال السريع للسلطة , وفقا لما اعلن في البداية , ولفصائل الثوار الذين احسنوا الاتحاد ضد ' مبارك ' , ولم يحسنوا الالتفاف حول قيادة بديلة , وللاحزاب المنتسبة للتيار الديني الذين تاجروا بالشعارات الدينية لاغراض سياسية سواء في الاستفتاءات او الانتخابات , او لمرشحي الرئاسة الذين اتحدوا بعدما اعلنت نتيجة الانتخابات الرئاسية , مثل من احرز هدفا بعدما انهي الحكم المباراة , ولاولئك الذين قيل لهم ان اردتم الانسحاب من الجمعية التاسيسية , فناضلوا حتي آخر يوم , وليكن الانسحاب جماعيا في الجلسة الاخيرة ان لم تتم الاستجابة لمطالبنا , وبهذا تنهار الجمعية التاسيسية ونبدا من البداية , فكانت المفاجاة ان انسحب الناس تباعا عبر الفضائيات و ' تويتر ' كنوع من تسجيل المواقف , مع يقينهم ان هذا لن يسقط الجمعية , وهذا التخبط يؤكد اننا امام فاعلين سياسيين مرتبكين ومربكين لبعضهم البعض. وكل واحد منهم يظن ان الطرف الآخر عبقري وخبيث ومتآمر وممول من جهات اجنبية وعنده رؤية كونية موجهة ضد الطرف الآخر. و الحقيقة فان متوسط الذكاء المصري في عالم السياسة ليس اعلي كثيرا من نظيره في اي مجال آخر , وبعد الثورة اصبح اسوا , لان الكل تحول الي زعيم سياسي لا يشق له غبار من وجهة نظره , مع فارق ان الزعيم ليس لقبا يعطيه شخص لنفسه , وانما هو نتاج عطاء ورؤية وبعد نظر ومرونة شخصية وسياسية تسمح له بان يبتكر بدائل جديدة تحل المشكلة دون ان تصنع مشكلة.

نحن مجتمع مخترق , لان عقولنا مخترقة وطريقة تفكيرنا مليئة بالثغرات التي يمكن ان يتلاعب بها الآخرون بل هم فعلا يفعلون. الرؤية الاستراتيجية غائبة.

في نقاش مع بعض اساتذة العلوم السياسية الاجانب المتخصصين في التحول الديمقراطي , تجد عالما يثق بان هذا كله طبيعي ولا يختلف عما شهدته دول كثيرة اخري تسير علي نفس الطريق , بل انه ربما يعتقد ان مصر اخذت خطوات افضل من دول اخري ولا بد من السير بقوة في المسار الانتخابي ومعاقبة الحاكم من خلال الآلية الانتخابية. ولكن هذه العقلانية ليست موجودة في مصر. وعلي حد تشبيه احد المتخصصين , لان الفاعلين السياسيين المصريين عاشوا عصورا استبدادية كثيرة تجعلهم يميلون الي الاعتقاد بان اي قرار سياسي هو خطوة علي طريق الاستبداد بالضرورة . فهذا الهاجس عند الجميع.

افكر مع زملائي في ' الاكاديمية المصرية للدراسات الاستراتيجية ' وغيرها من المراكز بان نستضيف عددا من المتخصصين في التحول الديمقراطي في العالم لمناقشة اين نحن؟ والي اين نحن ذاهبون؟ ولكن الاهم من كل ذلك ان يستمع الراي العام المصري لتقييم محايد للوضع الذي نحن فيه وان يكون المعيار في الحكم ليس الامنيات و المخاوف , ولكن المعايير المنضبطة لدراسة التحول الديمقراطي في العالم .

و الحقيقة فان كل هذا التخبط الذي نعيشه ما كان ليحدث لو كانت تحكمنا قيادة واعية و محاطة بمن يشيرون عليها , وتستمع لهم. لكن ربنا ابتلانا ' بمن يتعلم الحلاقة في شعرنا ' علي حد تعبير احد الاصدقاء ' الزلنطحيين ' ويتخذ قرارات ويفعل عكسها بما جعل كثيرين ممن ايدوها ينفضون عنها الدعم بل يقفون منها موقف ' المتمرد ' .

دول كثيرة استعانت بخبراء اجانب , وليكونوا غير امريكيين او غير اوروبيين , من دول سبقتنا كي يساعدونا علي تلمس الخطوات طالما اننا وصلنا الي درجة من التشكك اننا لم نعد نثق في اي حد او اي حاجة. وليكونوا مثل الحكام الاجانب و المدربين الاجانب الذين نستعين بهم حين نعجز -- ' مش عيب ' !

ليست هناك تعليقات :