وائل قنديل يكتب : القضاء الشامخ حصننا الظريف و الأخير سابقا

من المقولات ذائعة الصيت في ادبيات الصحافة و السياسة في مصر ' القضاء حصننا الاخير ' لكن يبدو ان القضاء قرر ان يتمرد علي ما عرف عنه , ويدخل معمعة السياسة لاعبا اساسيا من الباب الواسع.
وتذكر جيدا انه في المرة الآولي التي احيل فيها قانون الانتخابات من مجلس الشوري ' التشريعي رغم انفه وانفنا ' الي المحكمة الدستورية اعادت الاخيرة القانون طالبة تعديلات في عدد من المواد في حدود اصابع اليد الواحدة , ودار اشتباك حامي الوطيس حول رقابة الدستورية علي القوانين , وانقسمت الامة الي فريقين , احدهما يتشبث بان الرقابة سابقة بنص الدستور الجديد , وعلي ذلك لا الزام لمجلس الشوري بارجاع القانون للمحكمة الدستورية بعد استيفاء ملاحظاتها -- و الفريق الآخر يتمسك بان الرقابة لاحقة وبالتالي علي الشوري اعادة القانون الي المحكمة مرة اخري -- وقد كان.
وبالامس فقط اعلنت الدستورية نتيجة امتحان التلميذ ' الشوري ' بعد تصحيح ورقة الاجابة للمرة الثانية وكانت المفاجاة ان المجلس التشريعي صار راسبا في ١٣ مادة , بعد ان كان في المرة الاولي راسبا في خمس او ست مواد فقط.
الدستورية هي الدستورية و الشوري هو الشوري و القانون تم تكييفه بما يتماشي مع ملاحظات المحكمة علي النسخة الاولي منه -- فماذا حدث لكي تضاعف ' الدستورية ' عدد مواد الرسوب التشريعي؟
ثم ناتي الي الاهم و الاخطر وهو الزام المحكمة الدستورية العليا مجلس الشوري بالسماح لضباط وافراد الجيش و الشرطة بالتصويت في الانتخابات.
هنا لن تكون مهينا للقضاء الشامخ لو قلت ان هذا الحكم او القرار او الالزام يفتح ابوابا للجحيم , ويؤدي الي حالة من التفكك و الصدام باقحام اطراف من المفترض ان دورها هو ادارة اللعبة السياسية , الي ارضية الملعب لكي تمارس اللعبة وتنافس المتنافسين , الامر الذي يدفعك للتساؤل : لماذا لم تعترض الدستورية علي منع العسكريين وافراد الشرطة من التصويت في المرة الاولي التي نظرت فيها القانون , ثم قررت ان تعترض فجاة في المرة الثانية؟
سؤال آخر : هل تعي الدستورية خطورة هذه الخطوة؟ هل تعرف ماذا لو اصبح عندنا جيش بيصوت؟
والسؤال الاخير طرحه الباحث السياسي احمد فهمي وصاغه ببراعة في مجموعة من الاسئلة و الاجوبة علي صفحته علي ' فيس بوك ' , كالتالي : مهزلة طبعا --
بعد كم دورة انتخابات , هتلاقي احزاب جديدة تؤسس لتخطب ود العسكر باعتبارهم شريحة تصويتية مهمة --
ممكن مثلا يتاسس حزب اسمه ' مصر المشاة ' او حزب ' الطيار الشعبي ' --
او ممكن حزب يسمي نفسه ' حزب الانتباه ' حتي يهتف الجنود باسمه يوميا عدة مرات : كتيبة انتباه --
وطبعا لازم الوعود الانتخابية للمرشحين تتناسب مع هذه الشريحة , يعني مثلا : تصريح لكل عسكري الشعب يريد الغاء الشرطة العسكرية نعم للكتافة البلاتين لا للتمييز الطبقي ضد الصولات -- الخ
و ممكن نغير شعار الثورة لاسباب انتخابية و يبقي : عيش حرية سلاح المدفعية --
ده غير مشاكل التصويت نفسها , خد عندك كمثال : الجيش مينفعش ياخد اجازة مرة واحدة , و فيه حرس حدود مينفعش يتركوا مواقعهم علشان ينتخبوا , طيب نعملهم ايه ؟ بسيطة , نخصص لهم جولة جديدة --
كده هيبقي عندنا 3 انتخابات : المصريون بالداخل , المصريون بالخارج , المصريون علي الحدود --
يعني يسيل دمنا علشان نطلع العسكر بره السياسة من الباب , الدستورية ترجعهم من الشباك --
احسن حل اننا نعمل دستور جديد , و نخلي اعضاء الدستورية تلاتة بس --
و علي قدر ما تحمل هذه الاسئلة من سخرية شديدة , فانها و غيرها تعبر عن قلق حقيقي يعصف بكل من يخشي علي هذا البلد من الانشطار -- غير انك لن تعدم تبريرا و تسويغا لهذه القفزة المخيفة في جحيم المجهول من جانب الذين صدعونا بالدولة المدنية و حتمية ابعاد الجيش و الشرطة عن سعير اللعبة السياسية .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق